سياحة و سفر

السفر حول العالم يجعلك أكثر ذكاء: هذا ما تثبته الأبحاث


ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب ومؤسس موقع “ريسكولوجي” (riskology) “تايلر تيرفورن” (Tyler Tervooren)، ويخبرنا فيه عن تجربته في السفر وكيف جعلته أكثر ذكاءً.

الآن، عندما أشعر أنَّني أعاني أو أواجه صعوبة في حل مشكلة تجارية صعبة أفكر في الدليل السياحي الودود الذي التقيته في تنزانيا، وكيف كان سيحل مشكلة كهذه؛ فهذا يقلل من توتري ويجعل القرار بالنسبة إلي أسهل وأفضل أيضاً.

منذ رحلتي الأولى في الصف السادس إلى كندا كنت مفتوناً طوال الطريق بالاختلافات الثقافية، والآن بعد أن زرت أكثر من 25 دولة في كل قارة كان لي شرف رؤية الطرائق المختلفة التي يحل بها الناس المشكلات نفسها، وليس من المستغرب أن تكون حلول بعضهم أفضل من غيرها.

على سبيل المثال، في قارة آسيا (Asia) يجيدون استخدام المساحات الصغيرة لتناسب أكبر عدد ممكن من الأشخاص، والأوروبيون أفضل من بقية العالم في كيفية تنقل الأشخاص بكفاءة ضمن قارتهم، أمَّا في الولايات المتحدة (US) فالنظام القانوني عادل مقارنةً بأجزاء أخرى من العالم.

يؤثر المكان الذي نشأتَ فيه في معظم ميزاتك أو عيوبك، وقد لا تدرك ذلك إذا كنت لم تسافر أبداً، والأسوأ من ذلك أنَّك قد تقضي حياتك كلها وأنت تعاني لحل مشكلة قد تكون سهلة لو نظرت إليها من زاوية مختلفة قليلاً.

فإذا كنت ترغب في اتخاذ أذكى القرارات الممكنة، وتعيش حياة أكثر صحة، وتتغلب على الخوف من الشك، يجب عليك البحث عن المغامرة وتجربة السفر، وهذا ليس رأيي فقط؛ إنَّه رأي العِلْمِ أيضاً.

إليك هذا الاختبار الصغير لإثبات ذلك:

كيف تزيد البيئة التي نشأت فيها من صعوبة الإجابة عن الأسئلة السهلة؟

لديَّ اختباران سريعان أرغب في إجرائهما، وستوضح الطريقة التي تجيب بها مبدأً هاماً عن اتخاذ القرارات الذكية، وبناء عقل قوي، وحتَّى عيش حياة ذات معنى.

انظر إلى الرسم البياني أدناه واسأل نفسك: “هل الخطوط الموجودة في وسط المربعات عمودية؟”.

انظر الآن إلى الرسم التخطيطي أدناه، أيُّ خط مركزي أطول؟ الخط الموجود إلى اليسار أم إلى اليمين؟

استناداً إلى البيانات الجغرافية التي لدي المتعلقة بالأشخاص الذين يرتادون هذا الموقع ومعظمهم أشخاص من الدول الغربية، يمكنني الاعتقاد بأنَّك أجبت بنفس الطريقة التي أجبت أنا بها: الخطوط في الشكل (1) هي في الواقع عمودية، والخط المركزي إلى اليمين في الشكل (2) أطول.

لكن هل أجبنا بطريقةٍ صحيحة؟

لقد نجحنا في الاختبار الأول بسهولة؛ لكنَّنا كنَّا مخطئين بشأن الاختبار الثاني؛ لأنَّ طول الخط المركزي فيهما في الواقع هو نفسه، وبالتأكيد أدركنا ذلك عندما دققنا فيها لفترة أطول ووجهنا أصابعنا عبر الشاشة للتحقق من طولهما؛ لكنَّه لم يكن ردنا الغريزي؛ وذلك لأنَّ الألغاز تكشف عن ظاهرة ثقافية مدروسة جيداً مع نتائج يمكن التنبؤ بها، ومكان نشأتك يشرح كيف ستجيب، فإذا أخذت هذه المخططات إلى أجزاء مختلفة من العالم ستتغير النتائج بالتأكيد.

السبب الذي جعلنا أنا وأنت نعرف بسهولة أنَّ الخطوط في الشكل (1) هي  خطوطٌ عمودية هو أنَّنا نركز على الذات، وقد عمم هذا الاختبار “هيرمان ويتكين” (Herman Witkin) عالم النفس الأمريكي الذي كرَّس حياته لفهم كيف ينظر الناس المختلفون إلى العالم.

في الغرب يركزون على الفرد أكثر من المجموعة، وهذا المنظور يتغلغل في كل جزء من حياتهم؛ إذ يمكنهم أن يروا أنَّ الخطوط عمودية تماماً لأنَّهم بسهولة يمكنهم تجاهل المعلومات المحيطة بها – المربعات الملتوية – والتركيز فقط على الخط، أمَّا بالنسبة إلى شخص من ثقافة عامة أكثر تركيزاً كأجزاء كثيرة من آسيا وأمريكا الجنوبية – على سبيل المثال – يصعب أن يجيب على هذا اللغز؛ إذ لا يمكنهم النظر بسهولة إلى الخط دون التفكير في الصناديق الملتوية من حوله، فتوهمهم أدمغتهم بأنَّ الخطوط مائلة.

لكن ماذا عن الشكل (2) بالسهام؟ لماذا يعاني الغربيون ليروا أنَّ الخطوط بالطول نفسه؟

الجواب مثير للاهتمام بقدر ما هو بسيط؛ ففي الغرب لدينا تاريخ طويل من العيش في مساحات مغلقة ومستطيلة؛ فمنازلنا صناديق، ومتاجرنا صناديق، ومساحات عملنا صناديق، وإذا كنت تنظر إلى الزاوية الداخلية للصندوق، ترى خطاً برؤوس أسهم تشير إلى الداخل، وتشير إلى الخارج للزاوية الخارجية؛ أمَّا بالنسبة للغربيين تشبه الخطوط زاوية الجدار في رسم ثنائي الأبعاد.

الاختبار (3)

على الرغم من أنَّ الصور لا تصوِّر غرفة؛ فهي مجرد خطوط في النهاية، إلَّا أنَّ هذا ما نراه؛ لأنَّ هذا ما نحن محاطون به، فالمنظور يجعلنا نرى أنَّ الزاوية الداخلية أبعد، ومن ثمَّ فهي أكبر.

في أجزاء أخرى من العالم حيث يقضي الناس وقتاً أقل داخل المنازل وتُشَاد المباني بخطوط أقل حدَّة، لا يعاني الناس خدعة العقل هذه ويعرفون على الفور أنَّ الخطوط بالطول نفسه، هل يمكن لهذه الظاهرة أن تجعل حياتك أصعب ممَّا يجب؟

السفر: السر لحياة أسهل وعقل أكثر ذكاءً

لا حرج في الاختلافات الثقافية؛ فهي ما يجعل العالم فريداً وممتعاً، لكن إذا لم تسافر فلن تتمكن من رؤية هذه الاختلافات بأم عينيك، وهذا أمرٌ سيئ للغاية؛ لكنَّ الأكثر سوءاً هو أنَّك لن تفهم أبداً كيف يمكن لهذه الاختلافات أن تجعل حل المشكلات أسهل.

تماماً مثل تعلُّم كيفية تبسيط مشكلات العمل من الدليل السياحي في تنزانيا، توجد العديد من الطرائق التي يمكن أن تصبح بها حياتك أسهل إذا قدَّمت لنفسك طريقة جديدة في التفكير، وفكر بهذه النقاط الثلاث:

1. هل تواجه صعوبةً في تعلُّم كيفية التفاوض؟

اذهب إلى مكان ما حيث يكون التفاوض أمراً طبيعياً يُمارَس كل يوم؛ ستكتسب المهارة دون أن تحاول حتى؛ لأنَّه سيتعيَّن عليك ذلك.

2. هل تريد بناء علاقات أقوى وأعمق؟

انطلق في رحلة تكون فيها الأسرة والصداقة هما حقاً أهم أجزاء الحياة، فستنظر إلى حياتك كلها بطريقة مختلفة أيضاً.

3. هل تواجه مشكلة مع المال؟

ضع نفسك في بيئة يكسب فيها الجميع مالاً كثيراً، سيقوم عقلك ببناء روابط جديدة تساعدك على فهم كيفية كسب المزيد بنفسك، أو اذهب إلى مكان يكون فيه الجميع فقراء ولا أحد يهتم بالمال؛ ففي كلتا الحالتين ستخرج أكثر ذكاءً وسعادة.

في الختام:

مجرد اتخاذ قرار بالتفكير بأسلوب مختلف هو أمرٌ صعب، لكن يجبرك السفر على التفكير في الأشياء المُحددة سابقاً في المنزل؛ فعندما تقضي حياتك كلها في بيئة واحدة تصبح القرارات التي تتخذها بناءً على ذلك المكان غير واضحة؛ لذا فما يجب عليك فعله هو أن تجبر نفسك على البقاء في بيئة جديدة غير مألوفة بحيث لا يُسمح لعقلك أن يكون كسولاً؛ إذ يجب أن يتمرَّن على التكيف واتخاذ القرارات، وعندما تعود إلى المنزل من مكان جديد وغير مألوف بالنسبة إليك ستشعر بالإرهاق؛ لأنَّ عقلك يبذل جهداً كبيراً للتأقلم مع ذلك المكان الجديد.

لكن بمجرد عودتك إلى المنزل ستنظر إلى عالمك نظرةً مختلفة قليلاً، وسترى القرارات التي اعتدت اتخاذها تلقائياً وكيف تسببت في معاناتك، ومن خلال منظورك الجديد ستتجاوزها بمهارة؛ لذا اخرج وانظر إلى العالم؛ لأنَّ ذلك سيجعلك ذلك أكثر ذكاءً وسيجعل حياتك أسهل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى