كيف يساعدك السفر إلى بلد ذي ثقافة مختلفة على تطوير ذاتك؟
ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّنة “إرين فالكونر” (Erin Falconer)، والذي تتحدث فيه عن تجربتها في السفر من الولايات المتحدة الأمريكية إلى الفلبين، وكيف ساعدتها على تطوير ذاتها وتعزيز سعادتها.
تطوير الذات من خلال الاطلاع على ثقافة جديدة:
بدأ ذلك منذ الأيام الأولى من انتقالي إلى “سيبو”، فقد كنت جالسة في المقعد الخلفي لدراجة نارية متصل بها عربة جانبية، وشاهدت مظاهر الفقر، وسمعت الضجيج الشديد في الأحياء التي تنقلت فيها والتي لم توحِ أبداً بالأمان.
شعرت وقتها بالخوف والندم لظني أنَّني ارتكبت خطأ كبيراً، ثمَّ نظرت حولي ورأيت الناس السعداء، رأيت الفلبينيين الذين يعيشون بمتسوىً أقل قياساً بمستوى معيشتي، وغالباً ما تكون منازلهم عبارة عن أكواخ دون أنظمة تكييف، وأحياناً دون كهرباء حتى، وتبدو منازلهم وكأنَّها على وشك الانهيار، ولا يمتلكون غالباً شبكات صرف صحي.
لاحظت أنَّ هؤلاء الأشخاص سعداء جداً، وفكَّرت في نفسي قائلةً: “يوجد ملايين الأشخاص السعداء في هذه المدينة، وإذا كانوا قادرين على الشعور بالسعادة، فلا شك أنَّني قادرة أيضاً على الشعور بها”، ومع أنَّني لم أدرك ذلك في حينها، فإنَّها كانت بداية تحوُّل كبير في حياتي، تحوُّل لا يتطلب امتلاك مظاهر الرفاهية المادية؛ بل مجرد عقل منفتح.
ثم بدأت أتعرف إلى ثقافة الفلبين، بدأت أطرح أسئلة كثيرة، وكثيراً ما شعرت بأنَّ الفلبينيين لديهم موقف دفاعي عندما توجهت إليهم بالأسئلة؛ لذلك اضُطررت غالباً أن أوضح لهم أنَّني لا أعني بذلك أنَّ الثقافة الغربية أفضل من ثقافتهم؛ وإنَّما أسعى إلى فهم ثقافتهم فحسب، وبمجرد أن أشرح لهم يبدأ موقفهم الدفاعي بالتلاشي.
عندما بدأت أفهم، تساءلت عن سبب الاختلافات بين الثقافتين، واستنتجت أنَّ الاختلاف في تاريخ الشعوب هو العامل الرئيسي لهذا الاختلاف في الثقافات؛ فالبشر يتكيفون مع بيئتهم، وبيئة الدول الغربية مختلفة جداً عن بيئة الدول الآسيوية بما في ذلك الفلبين.
مع هذا الانفتاح الذهني على ثقافة الفلبين بدأت أتأثر بأسلوب حياتهم، وعندها بدأت أشعر بمزيد من القناعة، ومن الأسباب وراء هذا الشعور هو المقارنة بين ما أمتلكه وما يمتلكه الإنسان في الفلبين من الناحية المادية، كان من المُعيب بالنسبة إلي الآن أن أتذمر من عدم حصولي على بعض الأشياء في حين أنَّني امتلكت أشياء كثيرة أخرى.
لم تتطور وجهة نظري عن الأشياء المادية فحسب؛ بل تعلَّمت كيف أشعر بالاسترخاء، ويتَّبع الفلبينيون أسلوب تعامل رسمي وعفوي في الوقت نفسه، فهم رسميون جداً، وخاصةً في التعامل مع الأشخاص غير المُقرَّبين، ومع ذلك يفعلون ذلك بطريقة أقرب ما تكون إلى العفوية.
على سبيل المثال، لديهم مفهوم يُسمى “توقيت الفلبيني”، وهي عادة تثير غضب الغربي، حتى أنا شعرت أنَّها عادة غريبة ومُضحكة، ولاحظت أنَّ فلبينيين كثيرين يفعلون ذلك أيضاً، بالطبع ليس توقيت الفلبيني منطقة زمنية، وإلا لَوُجِدَ 90 مليون منطقة زمنية تبعاً لعدد سكان الفلبين.
عندما تحاول ترتيب موعد مع أشخاص فلبينيين، فلا فائدة من محاولة الاتفاق على وقت مُحدَّد؛ فقد أرسل إلي أحد أصدقائي رسالة يقول فيها: “من المفترض أن أقابل 4 أشخاص في الوقت نفسه وفي 4 أماكن مختلفة”، لم أستطع سوى أن أضحك، قضى معظم يومه في محاولة تنظيم نزهة مع عدد من أصدقائه؛ إذ لا يلتزم الفلبينيون في الموعد، فلا يوجد وقت مُحدَّد لوصولهم؛ فبعضهم يصل متأخراً وبعضهم يصل باكراً، ونادراً ما يصلون في الموعد المحدَّد، وهذا السلوك مرفوض تماماً في المجتمعات الغربية؛ لكنَّه مقبول قي المجتمع الفلبيني.
لقد تبنيت هذا النهج المريح في حياتي الخاصة، فهو شيء يتعلق بفكرة السيطرة على مسار الحياة؛ إذ يُخطئ الإنسان في الغرب عندما يحاول السيطرة على أشياء خارجة عن إرادته، ويبدو أنَّ الناس في الفلبين أكثر براعةً في مجاراة أحداث الحياة، بدلاً من محاولة الوقوف في وجهها، ويحتج بعض الأشخاص في الغرب بأنَّ هذا هو السبب في عدم تقدُّم الفلبين.
قد يكون في هذا شيء من الصواب؛ لكنَّها مقاربة يبالغ فيها أبناء الثقافة الغربية الذين زاروا الفلبين، ولا أقول إنَّ هذا الادعاء خاطئ بالمطلق؛ لكنَّني أرى أنَّ إيجابيات أسلوب حياتهم هذا أكثر بكثير من أي سلبيات مُحتملة.
فقد لاحظتُ أنَّ من يعيش في الفلبين لفترة طويلة من الزمن يتمكن من عيش حياته باسترخاء مقارنةً بمن يعيش في دول الغرب، فقد روى لي رجل أمريكي قصة عن الموضوع نفسه؛ إذ يعيش هذا الرجل في الفلبين منذ أكثر من 12 عاماً، وفي إحدى المرات حاول أن يركن سيارته فسبقه شخص آخر ليركن سيارته في المكان نفسه، وعندما لم يغضب بسبب هذا الموقف عبَّرت زوجته عن دهشتها قائلة: “لا أصدق أنَّ هذا هو رد فعل زوجي”؛ وذلك بالمقارنة بما كان عليه من صفات عندما كانا ما يزالان يعيشان في الولايات المتحدة الأمريكية (USA)، فقد توقعت منه أن يعترض بطريقة غاضبة؛ لكنَّه عبَّر لي عن أنَّه أراد أن يكسر الصورة النمطية عن المواطن الأمريكي المتعجرف.
يبدو أنَّه أصبح شخصاً مرتاحاً أيضاً، وأكثر هدوءاً وتقبُّلاً لأحداث الحياة، فهل توجد أية فائدة تُرتجى من الانزعاج والغضب؟ غالباً ما تكون النتائج في هذه المواقف سلبية عندما نغضب، ونعلم جميعنا أنَّه نادراً ما يؤدي انفعالنا إلى أية نتائج إيجابية.
أنا مثلاً، أشعر بالقلق طوال الوقت، وربما سأبقى هكذا طوال حياتي؛ لكنَّني لاحظت أنَّ رغبتي في التحكم بالأحداث الخارجة عن إرادتي بدأت تتراجع، وغالباً ما تكون هذه الأحداث غير هامة، وبعد أن طبَّقت أسلوب الحياة المريح في الفلبين، تضاءل شعوري بالقلق بشأن الأشياء التي أعجز عن التحكم بها، كما أنَّني أكثر وعياً بأشياء كثيرة لا تستحق أن أُجهد نفسي في محاولة تغييرها أو حتى القلق بشأنها.
شاهد بالفيديو: كيف تغير حياتك؟
العقل المُنفتح يُعزِّز إمكانات تطوير الذات:
مع أنَّ السفر من قارة إلى أخرى ليس أمراً في متناول الجميع، فإنَّه ساعدني على الخروج عن معتقداتي المألوفة، ممَّا لا شك فيه أنَّ الخروج عن المألوف مع امتلاك عقل مُنفتح يؤدي إلى تطوير الذات؛ لكنَّك لست مضطراً لأن تسافر آلاف الكيلومترات حتى تمتلك هذه الفرصة، فتوجد اختلافات كثيرة بين الناس في البيئة التي تعيش فيها، وإذا امتلكت عقلاً مُنفتحاً وحاولت أن تتعلم من هذه الاختلافات، فقد تكتشف فيها شيئاً يفيدك في حياتك، ويمكن أن يساهم هذا في تطوُّر ذاتك بصفتك إنساناً، وهذا سيجعلك شخصاً أكثر سعادةً.
في الختام:
لقد أصبحت شخصاً أكثر سعادةً بعد هذا التحوُّل في نمط تفكيري، ولقد وسَّعت أفقي في الحياة من خلال الانتقال للعيش في بلد نامٍ، وجاء تطور الذات الذي حققته بصفته نتيجة إيجابية غير متوقعة لسفري إلى الفلبين، وأدت إلى تغيير جذري في مفاهيمي وأفكاري، وعلى أقل تقدير فإنَّك ستقدِّر مقدار النعَم التي تمتلكها عندما تعيش في أحد البلدان الفقيرة، خاصةً إذا كنت من مواطني البلدان الغنية.