يوم التراث العالمي
وإنَّ حماية والحفاظ على هذا التراث ليس فقط واجباً إنسانياً وثقافياً، بل هو أيضاً استثمار في المستقبل، فيمكن للأجيال القادمة أن تستمتع وتستفيد منه بوصفه مصدراً للإلهام والفهم والتواصل بين الشعوب والثقافات، ولأنَّ هذا التراث يجمع بيننا بصفتنا بشراً بصرف النظر عن خلفياتنا الثقافية والدينية، فقد خصَّص العالم يوم 18 من شهر أبريل (نيسان) للاحتفال به تحت عنوان (يوم التراث العالمي).
ما هو التراث العالمي وما هي أهميته؟
يشير التراث العالمي إلى المواقع الطبيعية والثقافية والتاريخية التي تعد ملكاً للبشرية بشكل عام، بدلاً من أن تكون ملكاً لفرد أو مجموعة أو دولة معينة، وتُحدَّد هذه المواقع وفقاً لمعايير صارمة تضعها منظمة اليونسكو، وتُختار بناءً على قيمتها الثقافية أو الطبيعية الفريدة وأهميتها العالمية.
التراث العالمي هو الإرث الثمين الذي ورثته الأجيال الحالية عن الأجداد وتسعى بعناية إلى توريثه للأجيال اللاحقة، وتهدف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) جاهدة إلى تعزيز التعرف إلى مواقع وعناصر التراث العالمي الثقافي والطبيعي، وحمايتها والمحافظة عليها في جميع أنحاء العالم؛ نظراً لقيمتها الاستثنائية بالنسبة إلى البشرية، وهذه المساعي مدعومة باتفاقية دولية، وهي اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي التي اعتمدتها اليونسكو في عام 1972.
تحظى المواقع التراثية العالمية بأهمية بالغة؛ لأنَّها تمثل مرآة تاريخية وثقافية للبلدان والمناطق التي توجد فيها، فهي ليست مجرد معالم سياحية، بل تشكل جزءاً لا يتجزأ من الهوية الوطنية والتراث الثقافي، وتؤدي هذه المواقع دوراً هاماً في جذب السياح وتعزيز الاقتصاد المحلي من خلال الدخل السياحي الذي تولِّده، كما يوفر التراث العالمي مصادر هامة للتعلم والبحث في مختلف المجالات مثل التاريخ، والعلوم الاجتماعية، والعلوم الطبيعية، وهذا يسهم في توسيع معرفة الإنسان عن تاريخه وثقافته، إضافة إلى المحافظة على التنوع الثقافي الهائل للبشرية من خلال حفظ وصون العادات والتقاليد والمعالم الثقافية الفريدة لكل مجتمع، لذلك يجب علينا أن ندرك أنَّ حماية هذه المواقع ليست مجرد مسؤولية تجاه الحاضر، بل تمتد إلى مسؤوليتنا تجاه الأجيال القادمة.
تعد الإجراءات المتخذة للحفاظ على هذه المواقع أمراً ضرورياً لضمان استمرارها وحفظ تراثنا الثقافي العالمي، وتتضمن هذه الإجراءات المراقبة المنتظمة والصيانة الدورية، لضمان أن تبقى البنى التحتية والمعمارية للمواقع في حالة جيدة ومناسبة للزوار، إضافة إلى ذلك، يجب وضع سياسات وإجراءات فعالة لحماية هذه المواقع من التهديدات البيئية والبشرية المحتملة، مثل التلوث البيئي، والبناء غير المشروع، والسرقة والتخريب.
تاريخ يوم التراث العالمي:
في اليوم 18 من شهر أبريل (نيسان) عام 1982، عُقِدَت ندوة في تونس بمبادرة من المجلس الدولي للآثار والمواقع التاريخية (ICOMOS)، واقتُرِحَت فكرة إنشاء “اليوم الدولي للمعالم والمواقع”، بوصفها مناسبة عالمية للاحتفال بالتراث الثقافي للبشرية، واقتُرِحَت خطة للاحتفال بهذا اليوم، وفي عام 1983، وافقت منظمة اليونسكو على تحديد يوم 18 من شهر أبريل من كل عام بوصفه يوماً عالمياً للمعالم والمواقع، تحت عنوان “يوم التراث العالمي”، وبدأت احتفالات اليوم الأول للتراث العالمي في العام نفسه، فأصبح هذا اليوم حدثاً هاماً لتعزيز الوعي بأهمية الحفاظ على التراث الثقافي وتشجيع الجهود المبذولة في هذا الصدد.
تجدر الإشارة هنا إلى أنَّ كل عام يُوضَع عنوان مختلف للاحتفال، فعلي سبيل المثال كان موضوع الاحتفال في عام 2023 هو (تغير التراث)، وفي عام 2020 كان تحت عنوان (المسؤولية المشتركة)، وبعنوان (التراث للأجيال) في عام 2018، و(التراث الثقافي والسياحة المستدامة) في عام 2017.
الهدف من اليوم العالمي للتراث:
اليوم العالمي للتراث الواقع في 18 من شهر أبريل من كل عام هو مناسبة دولية تحتفل بها المجتمعات حول العالم، والهدف الأساسي من هذا اليوم هو تسليط الضوء على أهمية الحفاظ على التراث الثقافي والطبيعي العالمي، وتشجيع الجهود المبذولة للحفاظ عليه والترويج لقيمته، ويتم خلال هذا اليوم تنظيم مجموعة متنوعة من الفعاليات والنشاطات مثل المعارض والمحاضرات والجولات السياحية وورش العمل التي تسلط الضوء على التراث العالمي وتشجع على حمايته والترويج لفهمه، إضافة إلى تسليط الضوء على التحديات التي تواجه الحفاظ على التراث، مثل التهديدات البيئية وتدهور البنية التحتية.
كما يتيح هذا اليوم الفرصة للمجتمعات المحلية والدولية للتعبير عن التزامها بالحفاظ على التراث وتبادل الخبرات والممارسات الناجحة في هذا الصدد، فيمكن القول إنَّ الهدف الأساسي من يوم التراث العالمي هو توحيد الجهود العالمية للحفاظ على التراث الثقافي والطبيعي، وتعزيز الوعي بأهميته للأجيال الحالية والمستقبلية.
الاحتفال باليوم العالمي للتراث:
يُحتفَل باليوم العالمي للتراث بطرائق متنوعة في جميع أنحاء العالم، من خلال مجموعة متنوعة من النشاطات والفعاليات المنظمة للاحتفال بتنوع التراث الثقافي والتاريخي، ولقد قدم المجلس الدولي للآثار والمواقع التاريخية (ICOMOS) مجموعة من الاقتراحات للاحتفال باليوم العالمي للتراث، ومنها:
- القيام بزيارات إلى المعالم والمواقع التاريخية مع إمكانية تأمين دخول مجاني؛ أي دون الحاجة إلى دفع رسوم للدخول.
- القيام بأعمال الترميم للمواقع التراثية.
- كتابة المقالات في الصحف والمجلات، والقيام ببث تلفزيوني، وعبر الراديو لفعاليات اليوم العالمي للتراث.
- نشر وتعليق لافتات في كافة المدن وشوارعها الرئيسة لجذب انتباه الناس إلى يوم التراث العالمي.
- دعوة الخبراء المحليين والأجانب والشخصيات البارزة لحضور المؤتمرات والمقابلات.
- إقامة الندوات والمناقشات في المراكز الثقافية والأماكن العامة الخاصة بهذا اليوم.
- تقديم عروض فنية ومسرحية، إضافة إلى معارض اللوحات والصور الفوتوغرافية.
- نشر كتب، وبطاقات بريدية، وطوابع، وملصقات خاصة بهذه المناسبة.
- منح جوائز للمنظمات أو الأفراد الذين ساهموا بشكل متميز في الحفاظ على التراث الثقافي وتعزيزه، أو قدموا منشورات متميزة في هذا المجال.
- إعادة افتتاح نصب أو موقع أُعيد ترميمه حديثاً.
- تنظيم نشاطات خاصة لرفع الوعي بين الأطفال في المدارس والشباب.
- العمل على تعزيز فرص التوأمة بين المؤسسات من خلال تحديد مجالات التعاون، وتبادل المتحدثين، وتنظيم الاجتماعات والندوات، وإصدار المنشورات المشتركة.
فعاليات الاحتفال بيوم التراث العالمي في السعودية:
تحت عنوان (التراث والمناخ) احتفل العالم عام 2023 باليوم العالمي للتراث، فأكَّدَت اليونسكو أنَّ أكبر تهديد يواجه التراث الثقافي والطبيعي هو التغير المناخي، ومواكبة لهذه الاحتفالات في العالم فقد نظمت هيئة التراث في المملكة العربية السعودية، خلال الفترة من 18 إلى 23 أبريل، نشاطات تراثية ثقافية متنوعة في البيوت الطينية بمركز الملك عبد العزيز التاريخي بالرياض، وذلك ضمن موسم رمضان بالرياض واحتفالاً باليوم العالمي للتراث في 18 أبريل من كل عام، فاستهدف هذا الاحتفال جميع فئات المجتمع والمهتمين بالتراث السعودي والعالمي.
تمحورت جهود الهيئة حول استكشاف تاريخ التراث الثقافي في المملكة وإضفاء الطابع الإنساني عليه بطرائق مبتكرة، من خلال عدد من النشاطات الثقافية التراثية المتنوعة، مثل المعارض التفاعلية والعروض الحية والنشاطات التفاعلية التي تجسِّد الحياة المجتمعية القديمة، إضافة إلى ذلك، نظمت الهيئة فعالية سوق الحرفيين وورش العمل ومعرض التراث، إضافة إلى عروض الصقارة وحداء الإبل والعروض التقليدية التراثية بالمملكة.
في عام 2022 عمدت السعودية للاحتفال باليوم العالمي للتراث من خلال مجموعة من النشاطات والفعاليات، مثل:
- شاركت هيئة التراث السعودية مع وزارة الثقافة والشباب الإماراتية في عرض عدد من الأفلام التي تناولت عناصر التراث الثقافي غير المادي المشتركة بين البلدين.
- أقامَت الفعاليات في الرياض بالقصور الطينية وسط العاصمة، فتضمنت معرضاً مصوراً لمواقع التراث العالمي المسجلة في منظمة اليونيسكو، وركناً خاصاً بالقهوة السعودية وأجوائها وآلية تحضيرها، إضافة إلى العروض الحيَّة للحرفيين، ونشاطات تفاعلية تجسِّد الحياة المجتمعية القديمة.
- عمدت الهيئة للاحتفاء بهذا اليوم في بيوت الحرفيين ببريدة وعنيزة والمدرسة الأميرية بالأحساء، وعملت على تخصيص منافذ بيع للحرف التقليدية، وإقامة ورش عمل حرفية مصغَّرة، وركن للقهوة السعودية، إضافة إلى مسابقة لأفضل عمل حرفي لهذا الاحتفال.
- أقامت برامج ثقافية تراثية بالتعاون مع وزارة التعليم، استهدف من خلالها طلاب وطالبات المدارس، ومن ذلك زيارات للمواقع التراثية وتحفيزهم للمشاركة برسومات متنوعة في «اليوم العالمي للتراث» على موقع التواصل الاجتماعي.
تتبع المملكة العربية السعودية خطة سنوية متكاملة للاحتفاء بيوم التراث العالمي، فتنظِّم فعالياتها وفقاً لمقتضيات العنوان الذي تحدده منظمة اليونسكو، وتهتم المملكة جداً بالحفاظ على تراثها الثقافي والطبيعي، والعادات، والتقاليد التي تميزها وتفتخر بها، وتسعى بكل جهدها إلى نقلها وتوريثها للأجيال القادمة.
في الختام:
اليوم العالمي للتراث، فرصة قيمة لإبراز ثراء التراث الثقافي المتنوع في العالم، ولتسليط الضوء على أهمية الحفاظ عليه والترويج لقيمه، فمن خلال الاحتفالات والفعاليات المنظمة في مختلف أنحاء العالم، نشهد الاحترام والتقدير للتراث والتعبير عن فخر الشعوب به، ويتيح هذا اليوم أيضاً فرصة لتعزيز التواصل الثقافي والتفاهم بين مختلف الثقافات والمجتمعات، ومع مرور الأعوام، يتزايد الاهتمام بالتراث الثقافي وأهميته في بناء الهوية الوطنية والتواصل الإنساني؛ لذا من الهام الاستمرار في دعم وتعزيز الجهود المبذولة للحفاظ على التراث وترويج قيمه، لنضمن أن يظل موروثنا الثقافي علامة فارقة تحمل الهوية والتراث للأجيال القادمة.