سياحة و سفر

من كاتدرائية بيزنطية إلى مسجد عثماني


من هي آيا صوفيا؟

آيا صوفيا هي مبنى ضخم ذو قيمة تاريخية وثقافية عميقة، بدأَ بناؤها بوصفها كنيسة مسيحية بيزنطية في القرن السادس الميلادي في عهد الإمبراطور “جستنيان الأول”.

وكانت تعد واحدة من أكبر الكنائس في العالم المسيحي آنذاك، واستمرت كذلك حتى سقوط القسطنطينية في يد العثمانيين بقيادة السلطان “محمد الفاتح”.

وتمثِّل آيا صوفيا التي تعني باللغة اليونانية “الحكمة المقدسة” صرحاً معمارياً ذا طابع ديني مسيحي، ويقع هذا الصرح في الجزء الأوروبي من مدينة اسطنبول التركية، وتحديداً في منطقة السُّلطان أحمد.

ومن الجدير بالذكر أن الرحالة الشهير ابن بطوطة وصفَ هذه الكنيسة حينما زارها، وقال عنها: “من أعظم كنائس الروم، وعليها سور يطيف بها، فكأنها مدينة وأبوابها ثلاثة عشر باباً، ولها حرم قرابة ميلٍ، وعليه باب كبير لا يمنع أحد من دخوله، وهو شبه مشور مسطح بالرخام، وتشقه ساقية تخرج من الكنيسة، لها حائطان مرتفعان قرابة ذراع مصنوعان من الرخام المجزع المنقوش بأحسن صنعة، والأشجار منتظِمة على جهتي الساقية”.

ما سبب تسمية آيا صوفيا بهذا الاسم؟

يعود سبب تسمية آيا صوفيا إلى قدِّيسة مصرية كانت تُعرف باسم “صوفيا القبطية”، ومعنى الاسم باليونانية الحكمة الإلهية. كانت القدِيسة صوفيا وثنية، ثمَّ آمنَت برسالة السيد المسيح، فاعتنقت الديانة المسيحية، وعمِلَت بتعاليم السيد المسيح.

وقد عرفَت آنذاك صوفيا بتعلُّقها الشديد بالدين المسيحي، وتناقلَ الناس قصتها حتى وصلت إلى الوالي الروماني الذي كان وثنياً، وكان يُعرف باسم “كلوديوس”، الذي استدعاها للمثول أمامه لمعرفة قصتها، ومن ثمَّ أمَرَها بترك الدين المسيحي والعودة إلى الوثنية وعبادة الأوثان من جديد.

ورفضَت صوفيا طلب الوالي، فتعرضت لأشد أنواع التعذيب والتنكيل، إلا أنها بقيت مصرة على موقفها، ومؤمنة بالدين المسيحي، الذي اعتبرته الدين الصحيح، وأن عبادة الأوثان كفر.

ومن شدة التعذيب أمرَ الوالي الروماني بقطع لسانها أولاً، ومع إصرارها الثابت تابع بقطع رأسها. وفي عام 325 م وصلَت حكاية صوفيا إلى الحاكم الروماني ووالدته هيلانا، فأمرا بنقل ضريحها من مصر إلى القسطنطينية، وهناك بنى لها كنيسة سمَّاها باسم “آجيا صوفيا” أي القدِّيسة صوفيا، ووضعَ ضريحها فيها تكريماً لها ولروحها، إلا أنّه وبعد فتح القسطنطينية على يد السلطان محمد الفاتح، حولَت الكنيسة إلى مسجد، وبقيت محافظة على اسمها “آيا صوفيا”.

شاهد بالفديو: أجمل المناطق السياحيّة في تركيا

 

قصة آيا صوفيا

بُنيَت كنيسة آيا صوفيا بين عامي 532 و537 بأمرٍ من الإمبراطور البيزنطي “جستنيان الأول” بهدف إظهار قوة الإمبراطورية وعظمتها.

واستغرقَ بناؤها خمس سنوات فقط، وهو إنجاز كبير في ذلك الوقت، صمّم الكنيسة المهندسَان المعماريان “إيسيدور الأنطاكي” و”أنتيميوس التراسي”، واستخدما تقنيات مبتكرة لإنشاء قبة ضخمة تبدو وكأنها معلَّقة في الهواء.

قصة مسجد آيا صوفيا

بعد الفتح العثماني للقسطنطينية عام 1453، حول السلطان “محمد الفاتح” آيا صوفيا إلى مسجد، فأضاف العثمانيون عناصر معمارية إسلامية، مثل المآذن والمحراب والمنبر، وغطُّوا الفسيفساء البيزنطية بألواح جبسية لتتناسب مع الشعائر الإسلامية.

أين يقع مسجد آيا صوفيا؟

يقع مسجد آيا صوفيا في منطقة السلطان أحمد من الشق الأوروبي من مدينة اسطنبول التركية، التي يصلها خط ترام واي (قطار). ويمكن للزوار النزول في محطة السلطان أحمد، والمشي بعد ذلك لمدة خمس دقائق للوصول إلى المسجد من خلال حديقة واسعة.

مسجد آيا صوفيا من الداخل

يبلغ طول المبنى الرئيس 82 متراً، وارتفاع القبَّة يصل إلى 55.6 متر، وقطرها قرابة 31.7 متر، ولها 40 نافذة، يقوم المبنى كاملاً على أربعة أعمدة ضخمة يصل ارتفاع كل واحدٍ منها إلى 24.3 متر مصنوعة من الرخام الأخضر.

كما اكتُشِفت في نهاية القرن العشرين أربع دعامات مخفية مائلة تدعم القبة العلوية، ممَّا يعني أنَّها أقدم دعامات موجودة في تاريخ الهندسة المعمارية.

ويمكن الدخول إلى المبنى من خلال تسعة أبواب، وهو مبني على طراز البازيليكا الرومانية التقليدية (عمارة رومانية قديمة اشتهر بها الإغريق في تشييد صروحهم الدينية، فنجدها كثيرة في روما ومماثلة لقبة مدينة الفاتيكان)، حيث يتخذ شكلاً مستطيلاً من الداخل والخارج.

ويسبق المبنى أتريوم واسع مكشوف للسماء، يحيط به رواق طويل يؤدي إلى صالات جانبية تتصل بالصالة الرئيسية، فترسو فوق الصالة الرئيسة القبَّة الضخمة التي تستند على المبنى، وتستند من الشرق والغرب إلى أنصاف قباب أصغر نسبياً.

وبعد تحويل آيا صوفيا إلى جامع غطيت الكثير من اللوحات بطبقات من الجبس، ورسم فوقها زخارف بالخط العربي، لكنَّها بدأت بالتّآكل وظهور الرسومات أسفلها، ممَّا جعل منها الآن لوحات متداخلة.

وستجد داخل المسجد 40 نافذة ملوَّنة محيطة بأدنى القبَّة، والتي توفِّر الإضاءة لداخل المسجد وتعطي شعوراً جميلاً ومريحاً، كما أن القبة مكسوة بمادة الرصاص كي لا تتأثر في العوامل الخارجية، ووُضِعَت فيها مجموعة من اللوحات القرآنية، وستجد في أعلى الأعمدة الأربعة الرئيسة، وفي بطن القبة من جهة المحراب أربع لوحاتٍ ضخمة ودائرية الشكل تقريباً كتبت عليها: الله، محمد، أبو بكر، عمر، عثمان، وعلي.

ما حكم الصلاة في مسجد آيا صوفيا؟

في الوقت الذي حولَ فيه المسجد إلى متحف منِعَ رفع الآذان من خلال مآذنه، واستمرَّ الأمر كذلك حتى عام 2012 الذي سمح فيه برفع الآذان في مسجد أيا صوفيا، وذلك لأوَّل مرة من 78 عام.

وترافق ذلك الأمر مع ذكرى يوم فتح اسطنبول، ونَظَّمت في عام 2014 جمعية تسمَّى “شباب الأناضول” فعالية لصلاة الفجر في ساحة مسجد آيا صوفيا تحت شعار “أحضِر سجادتك وتعال” وذلك لحملة داعية لإعادة المتحف إلى مسجد. وقد جمع 15 مليون توقيع للمطالبة بذلك، وأصدرَ القضاء التركي في العام 2020 قراراً رسمياً لِتسميته أيا صوفيا بوصفه مسجداً تقام فيه جميع الصلوات، الأمر الذي لاقى ترحيباً كبيراً على المستوى الرسمي والشعبي التركي.

وفي المقابل رفضت دول، مثل اليونان هذه الخطوة لاعتبارات تاريخية، ولا توجد أية فتوى تحرم الصلاة في مسجد آيا صوفيا أو تمنع الصلاة فيه.

في الختام

تتمتَّع “آيا صوفيا”، برهبة لا مثيل لها، ولها منظر مَهيب، فعندما تنظر إليها من البحر تجدها شامخة يقابلها المسجد الأزرق. حين تدخل إلى أروقة المسجد، ستجد عبقَ الحضارة والتاريخ، وكأنَّك تفتح كتب التاريخ وصفحات لا تعدُّ ولا تحصى. يستمرُّ مسجد آيا صوفيا حتى اليوم باستقبال زوَّاره من مختلف بقاع الأرض للتعرف على هذا الصرح المعماري العظيم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى