المدينة الوردية وكنز الأردن التاريخي

سنتعرف في هذا المقال على تاريخ البتراء وسبب تسميتها بالمدينة الوردية، وأهميتها التاريخية والتجارية كمركز تجاري في العصور القديمة، ومتى تم اكتشافها، وسننطلق لنتعرف على العمارة الفريدة للبتراء وكيف بنيت وماهي أسرارها الدفينة ولماذا تعد كنز الأردن التاريخي، لنتابع معاً.
لمحة تاريخية
بنيت البتراء على يد الأنباط كعاصمة للمملكة النبطية، حيث سيطر الأنباط على مساحات واسعة من فلسطين والأردن وصولاً إلى شمال شبه الجزيرة العربية، عثر على بقايا شبكات المياه التي اعتمدها النبطيون لتخزين وجمع المياه، كشاهد على مقدرة وذكاء هذه الحضارة في استثمار الطبيعة وتطويعها لخدمتها.
وأعيد اكتشاف البتراء على يد المستشرق السويسري يوهان لودفيغ بركهارت عام 1812، وذلك عبر رحلة استكشافية قام بها جال بها كل من بلاد الشام ومصر والجزيرة العربية.
هذا ويفيد عالم الآثار زيدون المحيسن من جامعة اليرموك الأردنية، أن الحضارة النبطية قطنت البتراء منذ 312 عام قبل الميلاد، وأن كل ماتم اكتشافه في البتراء حتى الآن يعود تاريخه إلى القرنين الثاني والأول فقط.
ويفيد عالم الآثار زيدون المحيسن أن مجمل ما تم اكتشافه من البتراء هو 15 بالمائة فقط، بينما ما يزال 85 بالمائة منها ما يزال غامضاً.
سبب تسميتها بالمدينة الوردية
عرفت البتراء قديماً باسم (سلع) ويعني الشق في الصخر، يعود سبب تسمية البتراء بالمدينة الوردية، إلى لون الحجر الذي بنيت به جدران المدينة والذي يتصف باللون الوردي.
ويُشار إلى أن البتراء أُدرجت ضمن لائحة التراث العالمي اليونيسكو في عام 1985، كما صنفت من عجائب الدنيا السبع الجديدة في عام 2007.
البتراء: الأهمية الجغرافية
تميزت البتراء منذ بناءها على يد المملكة النبطية بموقعها الجغرافي المتميز حيث أنها اعتبرت نقطة وصل حيوية بين شبه الجزيرة العربية من الجنوب وبلاد الشام من الشمال، وهذا الموقع الحساس جعلها محطة حساسة واستراتيجية مكنت الأنباط من فرض سيطرتهم على خطوط التجارة الحيوية، وهذا بالتالي زاد من ثروة أهل المدينة.
تقنيات النحت في الصخور الوردية وأهمية الألوان في العمارة النبطية
اشتهر الأنباط بالعمارة وفن النحت وبرزوا فيه، وقد اتبعوا نمطين للعمارة في بناء مدينتهم وهما:
1. الحفر في الصخر الطبيعي
اتبع الأنباط في هذا الأسلوب مبدأ الحفر من الأعلى باتجاه الأسفل، وذلك باتباع مخططات مرسومة سابقاً، ومن أمثلة هذا الأسلوب ما تم تنفيذه في حفر الخزنة والدير والمدرج وغيرها من المعالم النبطية.
2. البناء الحر
اعتمد الأنباط في هذا الأسلوب على ما توفره المنطقة من مواد قابلة للبناء، من الطوب الطيني، والحجارة البازلتية، كما اعتمدوا على الجص في تشييد الأبنية، وتم استخدام الحجارة لرصف الأرضيات، والتي زينت بالرخام الملون وفي بعض الأحيان الفسيفساء، ومن أمثلة هذا الأسلوب قصر البنت في مدينة البتراء.
أهم معالم البتراء كنز الأردن التاريخي
تميز النبطيون بعمارتهم الفريدة والمتميزة والتي جعلت البتراء تحفة خالدة تشهد على إبداعهم المعماري والفني، وما شكل الزينة والزخارف التي استخدموها لتزيين الجدران الوردية اللون إلا خير شاهد على إبداعهم وحرفيتهم وذوقهم الفني والمعماري، فعند بدء جولتكم في رحاب مدينة البتراء ستطالعكم المعالم الأثرية التالية:
1. السيق
تبدأ رحلة الزائر إلى البتراء بالعبور بالسيق، وهو عبارة عن شق ضيق ومتعرج في الصخور يصل طوله إلى حوالي 1200 متر ومحصور بين صخور يصل ارتفاعها إلى حوالي 100 متر، وبمجرد دخولكم في السيق يبدأ بالتضيق ليصل عرضه في أقل نقطة منه إلى خمسة أمتار، وبعد أن يصل إلى هذه النقطة الضيقة يعود للانفراج مرة أخرى ليشاهد أمام عينيه أجمل معالم البتراء وهو المدفن المعروف باسم الخزنة أو (خزنة فرعون).
2. الخزنة
الخزنة هي إحدى أبرز معالم البتراء، بُنيت في منتصف القرن الأول الميلادي، بارتفاع 39 متراً وعرض 25.5 متراً، وتتألف من طابقين.
حيث يضم الطابق السفلي ستة أعمدة بطراز أتيكي وكورنثي، مع تمثالين يمثلان الديوسكوروين (كستور وبولوكس) وزخارف نباتية.
أما الطابق العلوي يتميز بزخارف مختلفة، ويتوسطه جرة محاطة بأعمدة كورنثية، ويحتوي على تماثيل للآلهة تيخي ونيكي وأمازونات.
وتُعرف الخزنة بـ “خزنة فرعون” بسبب اعتقاد البدو بأن كنوز الفرعون محفوظة فيها.
3. المسرح
تم إنشاء المسرح في البتراء من قبل الأنباط قبل الفتوحات الرومانية، وكان يتسع لـ 7000 شخص. وفي القرن الأول الميلادي، قام الرومان بتوسيعه.
ويتميز المسرح بشكله نصف الدائري، بقطر 95 متراً وارتفاع 23 متراً، وهو منحوت في الصخر مع جزء أمامي مبني، ويتكون من 40 صفاً من المقاعد مقسمة إلى ثلاثة أقسام.
4. الدير
يُعتبر الدير أحد أروع المباني في البتراء ويعود تاريخه إلى نهاية القرن الأول ق.م وبداية القرن الأول الميلادي. ويبلغ عرضه 50 متراً وارتفاعه 45 متراً، ويتكون من طابقين يحتوي كل منهما على ثمانية أعمدة.
يحتوي الطابق السفلي على أفريز بسيط، بينما الطابق العلوي مزخرف بزخارف دائرية، كما يضم خمس حنايا، كانت تحتوي على تماثيل، ويقع في الشمال الغربي من المدينة على مرتفع، ويمكن الوصول إليه عبر 800 درجة.
وفي القرن الرابع، استخدم كمكان للعبادة، ويدل عليه وجود صلبان محفورة على الجدار الخلفي.
5. متحف البتراء
يقع المعرض على الشارع السياحي الرئيسي قريباً من البوابة الرئيسية للبتراء، ويفتح طوال الأسبوع من الساعة 8:30 صباحاً حتى 7:30 مساءً، ويضم المتحف 280 قطعة أثرية تعود لعصور متنوعة، ويتكون من خمس قاعات تعرض تاريخ البتراء وحياة الأنباط وحضارتهم.
6. درب الخبثة
يبدأ المسار من مركز الزوار إلى مدينة البتراء القديمة، مروراً عبر السيق وبعض المعالم الأثرية البارزة مثل “شارع الواجهات” والمسرح المحفور في الصخر.
ويشمل المسار أيضاً استكشاف “المقابر الملكية”، مثل قبر الجرة، قبر الحرير، قبر كورنثيان، وقبر القصر، قبل الوصول إلى مرتفع الخبثة للاستمتاع بالمناظر الخلابة.
7. المسار الرئيسي للدير
يبدأ المسار الرئيسي للدير عند نهاية المسار الرئيسي من المتحف داخل البتراء بجوار مطعم The Basin، ويقودك شمالاً عبر درجات قديمة، وبعد مسيرة قصيرة تصل إلى Lion Triclinium في وادٍ جانبي.
ويتطلب الأمر الاستمرار على الدرج المنحوت للوصول إلى الدير الذي يحتوي على غرف محفورة في الصخر مزينة بالصلبان. ثم يمكنك الانتقال لأعلى للوصول إلى الدير، الذي يوفر إطلالة رائعة على المنطقة.
8. طريق العودة للدير
يأخذك هذا المسار بعيداً عن المسار الرئيسي للوصول إلى الدير عبر طريق خلفي، ويبدأ عند خربة الفجة، التي تقع على بعد 50 متراً غرب الطريق الرئيسي المؤدي إلى البيضا، وينتهي عند الدير.
بداية هذا المسار سهلة، مما يسمح لك بالاستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة للمنطقة وإطلالات الجبال المطلة على وادي عربة أثناء المشي. كما يأخذك عبر منطقة زراعية. ويمكن استخدام الحمير في الرحلة ذهاباً وإياباً، حيث تأخذك من نقطة البداية إلى بداية الدرجات التي تؤدي إلى الدير والعودة مرة أخرى.
9. عرض الحناء
“فنتازيا الحناء” هو عرض يومي يقام في البتراء في القاعة الكبرى بمنتجع القرية القديمة، حيث يمكنك الاستمتاع برقصات شعبية يؤديها رجال ونساء الحناء، مع كل رقصة تتضمن عادات وإكسسوارات فريدة تعكس الفولكلور التقليدي للمنطقة.
10. البتراء ليلاً
زيارة البتراء في الليل تعتبر تجربة استثنائية، حيث تُضاء المنطقة بـ 1800 شمعة، مما يخلق أجواء ساحرة، ويمكنك السير عبر السيق إلى الخزنة مع المسار المضاء بالشموع والاستمتاع بموسيقى البدو في الموقع، وتبدأ الجولات في الساعة 8:30 مساءً وتنتهي في الساعة 10:00 مساءً كل يوم اثنين وأربعاء وخميس.
القيمة العالمية للبتراء
تُعتبر البتراء من أغنى المواقع الأثرية، وتحتوي على هندسة معمارية معقدة تشمل المعابد والمقابر، بالإضافة إلى بقايا أنظمة المياه والأماكن الدينية.
وتبرز القيمة العالمية للبتراء في اندماج التأثيرات المعمارية النبطية والهلنستية، مما يعكس تطور الحضارات المتعاقبة، وتشمل المعالم البارزة المقابر الملكية، والمعابد، وشهادات الحضارة النبطية المفقودة من القرون السابقة.
كما تُظهر المنطقة آثاراً تعود إلى فترة العصر الحجري الحديث والعصر الحديدي، مع بقايا من التخطيط المدني اليوناني والروماني، مما يؤكد غنى تاريخها الثقافي والمعماري.
التحديات في الحفاظ على البتراء
تبرز مجموعة من التحديات الجدية والحقيقية في الحفاظ على البتراء وحمايتها كموقع مسجل في سجلات التراث العالمي، كما تبذل الكثير من الجهود من قبل الحكومة الأردنية لحماية البتراء.
التحديات التي تواجه الحفاظ على البتراء
- تقع المعالم الأثرية الرئيسية في منطقة البتراء داخل منتزه البتراء الوطني، حيث تترك عوامل الطبيعة كالتصحر والحت والتعرية آثارها على شكل وبنية معالم البتراء.
- المعالم الأثرية تتعرض للتآكل المستمر نتيجة الرياح والأمطار، وزيادة التآكل بسبب الرمال الناتجة عن الحيوانات العاشبة.
- تمت إعادة توطين قبيلة البدول ومواشيهم ونقلهم إلى قرية جديدة في أم سيحون قبل أكثر من عشرين عاماً بهدف تقليل التآكل للأعشاب والنباتات الموجودة في المنطقة.
- المنطقة معرضة لمخاطر الفيضانات المفاجئة على طول وادي موسى، حيث يحتاج نظام التحويل النبطي إلى مراقبة وصيانة مستمرة.
الإجراءات المتخذة للحفاظ على البتراء
1. المسؤولية القانونية
تقع مسؤولية حماية المواقع الأثرية على عاتق دائرة الآثار الأردنية، التابعة لوزارة السياحة والآثار.
2. إدارة منطقة البتراء
المنطقة تعتبر محمية ضمن منتزه البتراء الأثري، المدارة من قبل وزارة السياحة والآثار، وتتولى سلطة إقليم البتراء (PRA) مسؤولية التخطيط وتنفيذ مشاريع البنية التحتية والمشاريع الاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات المحلية.
3. زيادة القوى العاملة
تم تعزيز عدد الموظفين لتنظيم حملات التفتيش والرقابة، كما تم تطوير استراتيجيات لإدارة السياحة ومشاركة المجتمعات المحلية.
4. تغطية السياسات واللوائح
تشمل سياسات الحماية مشاريع بنية تحتية مثل كهربة المحمية، زراعة الأشجار، وإعادة تدوير المياه، وتشمل أيضاً تحسين مرافق الزوار كالإضاءة والمسارات السياحية والمطاعم والمتاجر.
5. الإطار طويل الأمد
هناك حاجة إلى إطار عمل للتنمية المستدامة وممارسات الإدارة لحماية الممتلكات من الأضرار الناتجة عن ضغط الزوار، كما أن تحسين إيرادات السياحة من شأنه المساهمة في الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية للمنطقة.
في الختام
تعد البتراء شاهداً وأثراً تاريخياً وعالمياً يعبر عن ثراء المنطقة العربية الثقافي والحضاري والإنساني، حيث تعرفنا في هذا المقال على البتراء وسبب تسميتها بالمدينة الوردية ولماذا تعد كنز الأردن التاريخي.
كما تعرفنا على أهم المعالم الأثرية في هذه المدينة الوردية، بدايةً من السيق والخزنة المشهورة إلى المسرح والدير ومتحف البتراء وبقية المعالم الأخرى، كما استعرضنا التحديات اليت تعترض سبيل المحافظة على البتراء والإجراءات التي اتبعتها الحكومة الأردنية، لتحافظ على هذا المعلم التاريخي والثقافي ليبقى بحق كنز الأردن التاريخي.