تقدير الأبطال الصامتين في أعالي البحار

في 25 يونيو من كل عام، يحتفي العالم بـ”يوم البحّارة العالمي” (Day of the Seafarer)، الذي أقرّته المنظمة البحرية الدولية (IMO) منذ 2010، لتسليط الضوء على الدور الحيوي للبحّارة وتقدير تضحياتهم.
ما هو يوم البحارة العالمي؟ ولماذا يتم الاحتفال به؟
يُعد “يوم البحارة”، المعروف أيضاً باسم “يوم البحّارة العالمي” أو Seafarer Day، مناسبة سنوية يتم الاحتفال بها في 25 يونيو من كل عام، لتكريم الملايين من البحّارة الذين يعملون في أعالي البحار ويساهمون بصورة حيوية في حركة التجارة العالمية. ما يزيد على 80% من البضائع التي نستخدمها يومياً تصلنا عن طريق البحر، وهذا يعكس أهمية الدور الذي يؤديه البحّارة في استقرار الاقتصاد العالمي واستمرارية سلاسل الإمداد.
الاحتفال بـ”يوم البحارة العالمي” هو اعتراف بمساهمات هؤلاء الرجال والنساء الذين يعيشون لفترات طويلة بعيداً عن أسرهم، ويواجهون ظروفاً صعبة، مثل تقلبات الطقس، والعمل المتواصل، والتحديات النفسية. يهدف هذا اليوم إلى رفع الوعي بالتضحيات التي يقدمها البحّارة وإلى حث المؤسسات والحكومات على تحسين ظروف عملهم، وتقديم الدعم اللازم لهم سواء في البحر أو عند العودة إلى اليابسة.
تشمل مظاهر الاحتفال بهذا اليوم فعاليات رمزية، مثل إلقاء الزهور في البحر تكريماً للبحّارة الذين فقدوا حياتهم أثناء أداء واجبهم إلى جانب حملات إعلامية ومبادرات مجتمعية لتسليط الضوء على حياتهم، وتوفير مواد تثقيفية حول مساهماتهم. كما تشارك المكتبات، والمدارس، والمنظمات البحرية في نشر ثقافة التقدير والامتنان للبحّارة من خلال أنشطة توعوية وورشات عمل.
يأتي هذا اليوم ليذكّرنا بأنَّ البحّارة ليسوا مجرد عاملين في قطاع النقل، بل هم أبطال يوميون يسهمون في استقرار حياة الناس واقتصاد الدول. ومن واجبنا كأفراد ومؤسسات أن نعبّر عن امتناننا لهم، وأن نعمل من أجل توفير بيئة أكثر أماناً وإنصافاً لهم.
الدور الحيوي للبحّارة في الاقتصاد العالمي
في “يوم البحارة” الذي يُحتفل به سنوياً في 25 يونيو، نسلّط الضوء على الدور الجوهري الذي يؤديه البحّارة على مستوى العالم في دعم الاقتصاد العالمي. هذا اليوم، المعروف أيضاً باسم Seafarer Day، هو مناسبة لتقدير جهود ملايين البحّارة الذين يشغّلون ما يزيد على 50,000 سفينة شحن حول العالم، ويتولّون مسؤولية نقل ما يزيد على 90% من التجارة العالمية.
بدونهم تتوقف حركة البضائع وتتعطل سلاسل الإمداد، وتواجه الدول أزمات في الغذاء والطاقة والدواء. إنَّ البحّارة لا يربطون القارات تجارياً فقط، بل يسهمون في بقاء الاقتصاد العالمي متماسكاً، خاصة في الأوقات الصعبة مثل الأزمات الصحية أو السياسية.
البحّارة هم أول مَن يواجه التحديات على الخطوط الأمامية: من الكوارث البحرية إلى القرصنة، ومن العزلة الطويلة إلى الظروف الجوية القاسية. ومع ذلك، يواصلون عملهم بإصرار وتفانٍ، بعيدين عن الأضواء، لكنَّهم أساس لا يمكن الاستغناء عنه في دورة الحياة العالمية. ويأتي “يوم البحارة العالمي” ليُذكّر العالم بضرورة دعمهم، وضمان حقوقهم، وتحسين ظروفهم، فهم ليسوا مجرد ناقلين للبضائع، بل حماة لحركة الحياة على الكوكب.
أبرز التحديات التي يواجهها البحّارة
رغم الدور المحوري الذي يؤديه البحّارة في الاقتصاد العالمي، إلا أنَّ حياتهم المهنية ليست سهلة، بل مليئة بالتحديات التي تستحق أن نسلط الضوء عليها في “يوم البحارة”. ويأتي “يوم البحّارة العالمي” في قلب هذه الصورة، حيث يُحتفى بهم في Seafarer Day تقديراً لما يواجهونه من صعوبات يومية في عرض البحر.
1. العزلة والبعد عن الأهل
واحدة من أبرز معاناة البحّارة هي العزلة الطويلة. فقد تستمر الرحلات البحرية لعدة أشهر دون توقف؛ مما يعني غياباً شبه تام عن العائلة والأصدقاء. وبينما يعبر البحّارة المحيطات، يصبح التواصل محدوداً أو منعدماً، وهو ما يزيد من شعورهم بالوحدة والضغوطات النفسية.
2. الظروف المناخية والبيئية القاسية
يعمل البحّارة في بيئات قاسية وغير متوقعة. فهم يتعرضون لعواصف قوية، ودرجات حرارة قد تكون شديدة البرودة أو الحرارة مع مسؤوليات معقدة وخطيرة أثناء الملاحة. في كثير من الأحيان، يتعامل البحّار مع هذه الظروف دون أي خيار سوى المواصلة، حفاظاً على سلامة السفينة والبضائع وطاقم العمل.
3. المخاطر الأمنية
ليست البيئة الطبيعية وحدها ما يهدد سلامة البحّارة، بل هناك أيضاً تهديدات أمنية خطيرة مثل القرصنة، خاصة في مناطق مثل خليج عدن وبعض الممرات البحرية الحيوية. كما أنَّ النزاعات الإقليمية في بعض البحار قد تُعيق حركة الملاحة، وتعرض البحّارة للاحتجاز أو التأخير القسري.
4. التهميش الاجتماعي
رغم أهمية دورهم، يعاني كثير من البحّارة من نقص التقدير المجتمعي. في بعض الدول، لا يحصلون على حقوقهم الكاملة من رعاية صحية أو تأمين اجتماعي، ويُنظر إلى عملهم باعتباره هامشياً. وهذا ما يجعل من “يوم البحارة العالمي” فرصة هامة لإعادة الاعتبار لهم، والتأكيد على ضرورة الاعتراف بحقوقهم ومكانتهم.
كيف يُحتفل بهذا اليوم حول العالم؟
يُعد “يوم البحارة” أو Seafarer Day فرصة سنوية للتعبير عن الامتنان والتقدير للبحّارة على مستوى العالم، ويتم الاحتفال به بطرائق متنوعة في جميع أنحاء العالم. هناك العديد من الفعاليات التي تُنظم لتسليط الضوء على التضحيات التي يقدمها هؤلاء الأبطال المجهولون.
1. حملات على وسائل التواصل الاجتماعي
تنتشر في هذا اليوم حملات توعية عن طريق منصات التواصل الاجتماعي باستخدام هاشتاغات، مثل #DayOfTheSeafarer و#ThankYouSeafarers. تهدف هذه الحملات إلى زيادة الوعي حول الدور الحيوي الذي يؤديه البحّارة في حياتنا اليومية وتكريمهم عن طريق رسائل الدعم والتقدير.
2. إضاءة موانئ ومعالم بحرية بألوان مخصصة
يتم أيضاً إضاءة الموانئ والمعالم البحرية في العديد من الدول باستخدام أضواء بألوان مخصصة في هذا اليوم. هذه الأضواء لا تمثل فقط تكريماً للبحّارة، بل تُعد رمزاً للتضامن الدولي في دعم حقوقهم وظروف عملهم.
3. تنظيم ورشات عمل ومؤتمرات
تُنظم العديد من ورشات العمل والمؤتمرات العالمية والمحلية التي تركز على حقوق البحّارة، مثل تحسين ظروف العمل، وتوفير الأمان، وتقديم دعم صحي ونفسي. هذه الفعاليات تهدف إلى نشر الوعي حول القضايا التي يواجهها البحّارة وتوفير الحلول العملية لتحسين حياتهم.
4. إتاحة فحوص طبية مجانية أو خدمات دعم نفسي
يُتاح للبحّارة في بعض الدول إجراء فحوص طبية مجانية وخدمات دعم نفسي في هذا اليوم، فالهدف هو ضمان صحتهم الجسدية والنفسية بعد فترات طويلة من العمل في البحر، حيث يُعد الدعم النفسي والصحي جزءاً أساسياً من تقدير المجتمع لجهودهم.
دور العالم العربي والخليج في دعم البحّارة
يُعد العالم العربي والخليج من المناطق الحيوية في قطاع الملاحة البحرية، حيث تستضيف العديد من الموانئ العالمية التي تُسهم بصورة كبيرة في حركة التجارة الدولية.
أبرز هذه الموانئ
- موانئ جدة والدقم وجبل علي ودمياط التي تُعد مراكز رئيسية للملاحة في المنطقة، وتستقطب السفن التجارية من جميع أنحاء العالم.
- هذه الموانئ توفر خدمات لوجستية متطورة وتهيئ بيئة عمل جيدة للبحّارة المحليين والدوليين.
مبادرات لتدريب البحّارة المحليين
- تهتم العديد من الدول في العالم العربي بتطوير مبادرات تدريبية لتأهيل البحّارة المحليين وفقاً للمعايير الدولية.
- يُعقد في المنطقة العديد من برامج التدريب المتخصصة التي تساعد البحّارة على اكتساب المهارات المطلوبة للعمل على السفن العالمية؛ مما يعزز من قدرة القطاع البحري المحلي على التنافس على المستوى الدولي.
دعم مالي وصحي خلال جائحة كوفيد-19
- أظهرت العديد من الدول خلال جائحة كوفيد-19، في منطقة الخليج والشرق الأوسط دعماً كبيراً للبحّارة، من خلال تقديم دعم مالي وصحي.
- تم توفير تأمين صحي وخدمات رعاية للبحّارة العاملين في ظروف صعبة، إضافة إلى ترتيبات لضمان العودة الآمنة للملاحة بعد فترة من الركود بسبب القيود الصحية.
مشاركة عربية فعالة في توصيات IMO الدولية
- تشارك الدول العربية بفعالية في توصيات المنظمة البحرية الدولية (IMO) التي تهدف إلى تحسين ظروف العمل للأطقم البحرية حول العالم.
- هذه المشاركة تُظهر التزام الدول العربية والخليجية بتطوير القطاع البحري وتحسين حياة البحّارة عن طريق دعم تشريعات عالمية تعزز الأمان والحقوق المهنية.
كيف يمكن للأفراد والمؤسسات المشاركة في دعم البحارة؟
يُعد دعم البحّارة أمراً حيوياً لا يمكن أن يقتصر على “يوم البحّارة” فقط، بل يجب أن يكون جزءاً من التزام مستمر من الأفراد والمؤسسات على حد سواء. يمكن للجميع المشاركة بطرائق متعددة لتقدير دور هؤلاء الأبطال، سواء على الصعيد الفردي أو من خلال العمل الجماعي داخل المؤسسات.
1. نشر الوعي عن طريق السوشال ميديا
تُعد منصات التواصل الاجتماعي من الأدوات الفعّالة لنشر الوعي حول حياة البحّارة وما يواجهونه من تحديات. يمكن للأفراد والمؤسسات استخدام هاشتاغات، مثل #ThankYouSeafarers و #DayOfTheSeafarer لنقل رسائل تقدير للبحّارة، وتعزيز الوعي بأهمية هذا القطاع في الاقتصاد العالمي.
2. دعم الجمعيات التي تقدم خدمات صحية ونفسية للبحّارة
هناك العديد من الجمعيات والمؤسسات التي تعمل على توفير دعم صحي ونفسي للبحّارة، خاصة في ظل تحديات العزلة والضغوطات النفسية التي يعانون منها. يمكن للأفراد والمجتمعات دعم هذه الجمعيات من خلال التبرعات أو التطوع في الأنشطة المختلفة.
3. تخصيص برامج إعلامية تعليمية عن المهنة
يمكن من خلال البرامج الإعلامية نشر معلومات حول مهنة البحّارة وتوضيح درجة تأثيرها على حياتنا اليومية. سواء من خلال الأفلام الوثائقية، أو المقالات الصحفية، أو البرامج الإذاعية والتلفزيونية، يمكن للجميع المساهمة في تغيير النظرة الاجتماعية تجاه هذه المهنة.
4. تكريم البحّارة المحليين في المدارس والمجتمعات
يُعد تكريم البحّارة المحليين في المدارس والمجتمعات خطوة فعّالة في تعزيز تقدير هذه المهنة. يمكن تنظيم فعاليات تعليمية ومهرجانات صغيرة تحتفل بالبحّارة، حيث يتم تكريمهم في المدارس والمراكز المجتمعية لتعريف الأجيال القادمة بأهمية هذه المهنة.
في الختام
في زمن تُقاس فيه الأدوار بقربها من الأضواء، يبقى البحّارة أبطالاً في الظل. “يوم البحّارة العالمي” هو فرصة لرد الجميل لمَن يبقون عجلة التجارة تدور في صمت وفي عرض البحر.
فلنقل لهم: شكراً لكم، أنتم لا تُرون دائماً، لكن أثرَكم يُحس دائماً.