مدينة الترام التاريخي والبلاط الملون

تُعد السياحة في لشبونة تجربةً لا تُنسى، تنقلك بين الحكايات والأساطير، وتغريك بالاكتشاف مرة بعد أخرى.
لماذا تستحق لشبونة أن تكون وجهتك القادمة؟
تُعد لشبونة من الوجهات التي تستحق الزيارة لما تتميز به من مزيج فريد بين التاريخ والحياة العصرية. تضم المدينة عديداً من المعالم الثقافية، مثل القلاع والمتاحف والأسواق الشعبية، وتتميز بهدوئها ودفء أجوائها.
السياحة في لشبونة تمنح الزائر فرصة للاستمتاع بالمشي في شوارعها القديمة، وتذوق المأكولات المحلية، والتعرف على نمط الحياة البرتغالي الهادئ.
كما توفر المدينة إطلالات بحرية جميلة ومناخاً معتدلاً يجعلها مناسبة للزيارة في أوقات مختلفة. لهذا السبب، تُعد لشبونة خياراً مناسباً للباحثين عن تجربة سفر متوازنة تجمع بين الراحة والاستكشاف.
تكلفة سفر معتدلة مقارنة بمدن أوروبية أخرى
تتيح السياحة في لشبونة للزائر تجربة فريدة تجمع بين الجودة والاعتدال في التكاليف، وهو ما يجعلها وجهة مثالية لكل من يسعى لاكتشاف أوروبا دون أن يتكبّد مصاريف باهظة.
تتميز العاصمة البرتغالية بانخفاض تكاليف الإقامة والطعام والمواصلات مقارنة بمعظم العواصم الأوروبية الأخرى، دون أن يؤثر ذلك في مستوى الخدمة أو راحة المسافر.
الفنادق تقدم خيارات متعددة تناسب مختلف الميزانيات، والمطاعم المحلية تقدم أطباقاً غنية بالنكهات بأسعار مناسبة، في حين تضمن وسائل النقل سهولة التنقل داخل المدينة بكفاءة.
الترام 28 الشهير: متحف متنقل على مرّ الزمن
يُعد ترام 28 واحداً من أكثر التجارب المميزة التي يمكن أن يخوضها الزائر عند استكشاف مدينة لشبونة، ليس فقط لكونه وسيلة نقل، بل لأنّه رحلة بحدّ ذاتها على مرّ تاريخ المدينة وأحيائها الساحرة.
صُمم هذا الترام الكلاسيكي ذو اللون الأصفر المميز عام 1914 بهدف ربط مركز المدينة بالمناطق السكنية في أطرافها، لكنه سرعان ما تحول إلى رمز سياحي يجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم.
أبرز المحطات التي يمر بها الترام
إنّ رحلةً واحدةً على متن الترام 28 تكفي لتأخذك في جولة شاملة بين وجهين متباينين لمدينة لشبونة: الأحياء التقليدية التي تحتفظ بروح المدينة القديمة، ومنطقة بايكسا الحديثة التي تنبض بالحياة بأسلوب عالمي.
يبدأ الترام مساره من المناطق العليا، مارّاً بحي كيدو، ويصعد بك تدريجياً نحو قلعة سان خورخي؛ حيث تبدأ ملامح التاريخ في الظهور من كل زاوية.
مع استمرار الرحلة، يخترق الترام أزقة حي ألفاما العريق، ويمر أمام كاتدرائية سي، قبل أن يصل إلى نقطة سانتا لوسيا؛ حيث يمكنك التوقف والاستمتاع بإطلالة بانورامية تأسر العين.
من هناك، يفتح الطريق أمامك نحو أحد أشهر معالم المدينة: حصن لشبونة، في تجربة تجمع بين التنقل والاستكشاف في آنٍ واحد.
كيفية تجربة الترام بسلاسة وتفادي الزحام
لمن يرغب في الاستمتاع بتجربة الترام 28 كجزء من رحلة السياحة في لشبونة دون الوقوع في فخ الازدحام، فإنّ التوقيت يصنع الفارق. يُفضل ركوبه في الصباح الباكر أو خلال ساعات الظهيرة حين تكون العربات أقل ازدحاماً، مما يتيح لك فرصة الجلوس والاستمتاع بمشاهد المدينة على مهل.
لتسهيل التنقُّل وتوفير الوقت، يُستحسن اقتناء بطاقة “فييفا فياجيم”، التي تتيح لك استخدام وسائل النقل العام الأخرى بكل سلاسة، مما يجعل التنقل في لشبونة أكثر مرونة وراحة.
فن البلاط البرتغالي: Azulejos
من التفاصيل التي تمنح السياحة في لشبونة طابعاً بصرياً لا يُنسى، الزليج الإيبيري أو ما يُعرف محلياً باسم “أزوليجو”، وهو نوع من البلاط الخزفي المزجج والمزخرف برسوم دقيقة تجمع بين الفن والتاريخ.
لا يقتصر وجود هذا الفن التقليدي على الكنائس والقصور فقط، بل يمتد ليغطي واجهات المنازل العادية والمدارس، وحتى المطاعم ومحطات المترو والسكك الحديدية.
تاريخ البلاط الأزرق في لشبونة
تُعد مدينة إشبيلية الإسبانية مهداً لفن البلاط Hispano-Moresque؛ إذ ظهرت أولى تصاميم azulejos في القرن الثالث عشر باستخدام تقنيات هندسية بسيطة.
تطورت هذه الفنون لاحقاً بتقنيات مثل cuerda seca وcuenca التي دخلت البرتغال مع الملك مانويل الأول بعد زيارته لإشبيلية عام 1503، وتُظهر قاعة العرب في قصر سينترا الوطني مثالاً بارزاً على ذلك.
في لشبونة، أدّت السياحة دوراً كبيراً في إبراز هذا الفن؛ إذ يضم المتحف الوطني للأزوليخو أروع مجموعات البلاط في العالم. خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، تطورت azulejos لتصوّر مشاهد دينية وأسطورية ومناظر من الحياة اليومية، خاصة مع قدوم فنانين من إيطاليا وهولندا، مثل نيكولوسو وفان أورت، الذين ساهموا في ظهور البلاط الأزرق والأبيض.
لاحقاً، شهد الفن تطوراً لافتاً بفضل لويس فيريرا ورافائيل بوردالو بينهيرو، وصولاً إلى العصر الحديث الذي جدّد هذا التراث بمحطات مترو لشبونة التي تحولت إلى معارض فنية مفتوحة.
أين تجد أجمل جدران مزينة بالبلاط؟
يُعد متحف البلاط الوطني في لشبونة، أو Museu Nacional do Azulejo، محطةً فريدةً لا مثيل لها لعشاق الفن والتاريخ على حد سواء. فبخلاف المتاحف التقليدية، يحتفي هذا المكان بفن البلاط المزخرف azulejo.
يضم المتحف عملاً فنياً استثنائياً يتكوّن من قُرابة 1,300 بلاطة تمتد على طول 53 متراً، ويصوّر مشهداً بانورامياً مذهلاً للمدينة – كما كانت قبل زلزال عام 1755. أُنجز هذا العمل في عام 1738، ليمنح الزائرين نافذةً بصريةً إلى ماضي لشبونة العريق.
يزخر المتحف أيضاً بمجموعة من القطع النادرة التي تجعل من زيارته تجربة لا تُنسى. لذا، فإنّ السياحة في لشبونة لا تكتمل دون المرور بهذا المتحف الفريد، الذي يعدّه بعض الناس من أبرز المعالم التي لا يجوز تفويتها لمن يبحث عن جوهر المدينة وروحها الفنية.
أجمل أحياء لشبونة التي يجب استكشافها
كل حي في لشبونة يحمل طابعاً خاصاً، وروحاً مستقلة. إذا كنت تبحث عن أجمل أماكن في لشبونة، فابدأ من هنا:
1. حي ألفاما – موسيقى الفادو والبيوت البيضاء
تُعد منطقة ألفاما قلب لشبونة القديم وأحد أعرق أحيائها؛ حيث يختلط عبق التاريخ بنبض الحياة اليومية في مشهد لا يشبه أي مكان آخر. تتعرّج أزقّتها الضيقة المرصوفة بالحصى بين مبانٍ ملونة تزينها قطع الأزوليجو التقليدية، بينما تنساب أنغام الفادو العاطفية من الحانات والمقاهي المحلية لترافقك في كل خطوة.
هنا، لا تكتفي فقط بمشاهدة المدينة بل تعيشها؛ فكل زاوية في ألفاما تروي قصة، وكل متجر صغير يحمل طابعاً خاصاً.
2. بايرو ألتو – المقاهي والحياة الليلية
يقف حي بايرو ألتو شامخاً فوق إحدى تلال لشبونة، كأنّه يرصد تحوّلات المدينة من الأعلى، ويحتفظ لنفسه بهوية بوهيمية فريدة. رغم كونه من الأحياء “الحديثة” نسبياً؛ إذ تشكّل خارج أسوار المدينة في القرن السادس عشر، إلا أنّ طابعه المعماري وساحاته الواسعة، يمنحانه روحاً أصيلةً يصعُب تجاهلها.
تتلاقى في شوارعه الضيقة حياة الليل النابضة مع هدوء المقاهي الصغيرة؛ حيث يجتمع الفنانون والمثقفون في أجواء من الإبداع الحر. في المساء، يتحوّل بايرو ألتو إلى مسرح مفتوح تنبعث منه أنغام الموسيقى الحية، وتزدهر فيه المطاعم والمتاجر المتخصصة.
3. بيليم – المعالم الإمبراطورية والحدائق الهادئة
يُعد هذا الحي من أبرز ملامح السياحة في لشبونة، إذ يحتضن مجموعة من المعالم التاريخية اللافتة مثل برج بيليم ودير جيرونيموس، اللذين يعكسان عظمة الحقبة البرتغالية الذهبية.
لا تكتمل التجربة دون التجوُّل في حدائقه الخلّابة المطلّة على نهر التاج؛ حيث يلتقي التاريخ بسكينة الطبيعة، لتتحول الزيارة إلى لحظة هدوء وتأمل في قلب المدينة.
ماذا تأكل في لشبونة؟ نكهات تقليدية مميزة
المطبخ البرتغالي بسيط، لكنّه غني بالنكهات، ويعكس تاريخ البلاد البحري وتأثّرها في الثقافات المختلفة.
1. باستيل دي ناتا (الحلوى الأشهر)
حلوى كريمية دافئة، مغلفة بعجينة هشة ومقرمشة تذوب في الفم، وتُرش بالقرفة لتعزز نكهتها الغنية، تُعد من رموز المذاق البرتغالي الأصيل. يمكن الاستمتاع بها في مختلف مقاهي العاصمة، غير أنّ عشّاق السياحة في لشبونة لا يفوّتون تذوّق النسخة الأشهر منها في حي “بيليم”؛ حيث وُلدت هذه الحلوى وتحوّلت إلى تجربة لا تُنسى.
2. أطباق السمك والمأكولات البحرية
تُعد أطباق السمك والمأكولات البحرية من أبرز تجارب السياحة في لشبونة التي لا يمكن تجاوزها. فـ “باكالاو” (سمك القد المملح) يعد من أشهر الأطباق البرتغالية التي تتناغم نكهتها مع وصفات تقليدية تعود لقرون، بينما يقدم الأرز بالحبار لمحة عن المأكولات البحرية الطازجة التي يتميز بها الساحل البرتغالي.
في الختام
نجد أنّ لشبونة ليست مدينة عادية، وإنّما بمثابة لوحة فنية تعيش وتتنفس. من الترام العتيق إلى البلاط الملون، ومن أزقة ألفاما إلى أطباق المأكولات البحرية، تروي كل زاوية فيها قصة، وتدعوك لتكون جزءاً منها.
إذا كنت تبحث عن وجهة تجمع بين البساطة والأصالة والجمال، فإنّ السياحة في لشبونة قد تكون خيارك المثالي هذا العام.