لا لا لاند “La La Land”: كلاسيكية عصرية في السينما والموسيقى

عندما صدر فيلم لا لا لاند عام 2016 أسر قلوب الجماهير والنقاد على حد سواء حول العالم. هذا الفيلم الذي أخرجه داميان شازل كان واحدًا من أبرز الأفلام في العقد الأخير. بفضل ألوانه المشرقة، موسيقاه الساحرة، أسلوبه المستوحى من الكلاسيكيات، وقصته العاطفية المؤثرة، استطاع لا لا لاند أن يمزج بين سحر هوليوود القديم وحداثة السينما المعاصرة. لم يحقق الفيلم نجاحًا كبيرًا في شباك التذاكر فحسب، بل حجز لنفسه أيضًا مكانًا في تاريخ السينما بترشيحات قياسية للجوائز وانتصارات مهمة.
القصة والمواضيع

يحكي لا لا لاند قصة حالمين في لوس أنجلوس: ميا دولان التي جسدتها إيما ستون، وسيباستيان وايلدر الذي أداه رايان غوسلينغ. ميا ممثلة طموحة تواجه صعوبات متكررة في تجارب الأداء، بينما سيباستيان موسيقي جاز شغوف يحلم بافتتاح نادي جاز خاص به. يلتقيان ويقعان في الحب بينما يسعيان وراء أحلامهما. الفيلم يستكشف العلاقة بين الحب والطموح، ويعرض كيف أن السعي وراء الأهداف الشخصية قد يأتي أحيانًا على حساب العلاقات. موضوع الفيلم يلامس أي شخص جرب مطاردة حلم. إنه عن التضحيات والتنازلات والواقع الحلو والمر للحياة. وبخلاف قصص الحب التقليدية، لا يمنح الفيلم نهاية “سعيدة إلى الأبد”، بل يقدم نهاية أكثر واقعية حيث الحب والطموح لا يلتقيان دائمًا.
رؤية داميان شازل

داميان شازل مخرج وكاتب لا لا لاند كان قد برز بالفعل بفيلمه ويبلاش عام 2014 الذي تناول صراع عازف شاب مع معلمه الصارم. مع لا لا لاند دفع شازل شغفه بالموسيقى والسينما إلى أبعد مدى، فقد تخيل فيلمًا يحتفي بالعصر الذهبي للأفلام الموسيقية ويقدم في الوقت نفسه حكاية حديثة. استلهم من أفلام كلاسيكية مثل الغناء في المطر 1952 والمظلات في شيربورغ 1964 ليصنع عملًا يجمع بين الحنين والمعاصرة. فكرة الفيلم ظلت مع شازل لسنوات قبل أن يجد تمويلًا، إذ اعتُبرت الأفلام الموسيقية مغامرة غير مضمونة تجاريًا. لكن نجاح ويبلاش منح شازل مصداقية، فوافقت شركة ليونزغيت على تمويل المشروع. وكان الرهان رابحًا، إذ تحول لا لا لاند إلى واحد من أنجح الأفلام الموسيقية في القرن الحالي.
الممثلون والأداء

اختيار إيما ستون ورايان غوسلينغ كان مفتاح نجاح الفيلم. الكيمياء بينهما ظهرت سابقًا في أفلام مثل كريزي ستوبيد لوف (2011) وغانغستر سكواد (2013). لكن في لا لا لاند ارتقى أداؤهما إلى مستوى جديد، وحازا إعجاب النقاد والجمهور بفضل العاطفة والواقعية التي قدماها. إيما ستون فازت بجائزة الأوسكار لأفضل ممثلة عن دورها في شخصية ميا. مشهد أدائها للأغنية “الاختبار (الحالمون الحمقى)” كان من أكثر اللحظات تأثيرًا في الفيلم وترك بصمة قوية في ذاكرة المشاهدين. أما رايان غوسلينغ فقد أثبت التزامه بتعلم عزف البيانو خلال أشهر قليلة وأدى بنفسه كل المقطوعات الموسيقية دون الاستعانة ببديل، مما جعل الأداء أكثر صدقًا. شارك أيضًا جون ليجند بدور كيث، وظهر جي كي سيمونز في مشهد قصير، مما أضاف ثقلًا ونجوميه إضافية للفيلم.
الموسيقى والرقصات

الموسيقى كانت العنصر الأكثر تميزًا في لا لا لاند. ألّفها جاستن هورويتز وكتب كلمات الأغاني بنج باسيك وجاستن بول. الأغاني مثل مدينة النجوم ويوم آخر من الشمس وشخص ما في الحشد أصبحت أيقونية على الفور. أغنية مدينة النجوم فازت بجائزة الأوسكار لأفضل أغنية أصلية، بينما فاز الألبوم بجائزة غرامي واحتل مراكز متقدمة في قوائم المبيعات. موسيقى الفيلم تمزج بين روح الجاز وإيقاع المسرحيات الغنائية، فتنقل إحساس الأمل والانكسار في آن واحد. تصميم الرقصات كان أيضًا عاملًا بارزًا في نجاح الفيلم. ماندي مور صممت مشاهد استعراضية مذهلة أبرزها الافتتاح على طريق لوس أنجلوس السريع ورقصة المرصد الفلكي الحالمة.
الجوائز والأرقام القياسية
خلال موسم الجوائز حقق لا لا لاند إنجازات غير مسبوقة. في حفل الغولدن غلوب الرابع والسبعين فاز بسبع جوائز من أصل سبع ترشيحات، محققًا رقمًا قياسيًا. في حفل الأوسكار حصد 14 ترشيحًا ليعادل تيتانيك (1997) وكل شيء عن إيف (1950). فاز بست جوائز منها أفضل مخرج لداميان شازل الذي أصبح أصغر مخرج في التاريخ ينال الجائزة عن عمر 32 عامًا. كما فاز بجوائز أفضل ممثلة وأفضل تصوير سينمائي وأفضل موسيقى أصلية وأفضل أغنية وأفضل تصميم إنتاج. لحظة إعلان فوز الفيلم بجائزة أفضل فيلم عن طريق الخطأ قبل تصحيح النتيجة لصالح مونلايت كانت من أكثر الأحداث إثارة للجدل في تاريخ الأوسكار، ورسخت مكانة الفيلم في الذاكرة الجماعية.
مقال اخر القصة الحقيقية لاختراع لقنبلة النووية , الاختراع الذي غير وجه العالم