سياحة و سفر

فيينا: عاصمة الموسيقى والفن الكلاسيكي


في هذا المقال، سنأخذك في رحلة مختلفة، لا تُشبه ما تجده في الكتيّبات السياحية التقليدية؛ إذ نكشف لك أسرار السياحة في فيينا كما لو كنت تنظر إليها من نافذة فنان، أو تستمع إليها بأذن موسيقي.

لماذا تعتبر فيينا عاصمة الفن والموسيقى في أوروبا؟

تُعد فيينا عاصمة الفن والموسيقى في أوروبا لعدة أسباب تاريخية وثقافية متجذّرة جعلت منها مركزاً عالمياً للإبداع، ومن أبرزها:

1. الأوبرا الوطنية وسمعتها العالمية

عند الحديث عن السياحة في فيينا، لا يمكن تجاوز واحدة من أيقوناتها الثقافية الأبرز: الأوبرا النمساوية. فقد تأسست هذه الدار العريقة في القرن التاسع عشر، وسرعان ما أصبحت من بين أشهر دور الأوبرا في العالم، بفضل ما تقدمه من عروض كلاسيكية ومعاصرة تتسم بالدقة والإبداع.

ما يميزها قدرتها على جذب عشاق الفن من مختلف أنحاء العالم، الذين يقصدونها خصيصاً للاستمتاع بأداء مذهل يلامس الإحساس، ويمنحهم تجربة فنية لا تُنسى وسط أجواء فيينا الساحرة.

2. تراث الموسيقى الكلاسيكية من موزارت إلى شتراوس

في القرن التاسع عشر، شهدت فيينا نهضة موسيقية استثنائية مدفوعة بالدعم الملكي والتحولات الثقافية التي غيّرت وجه المدينة. بفضل أسماء لامعة مثل يوهانس براهمس ويوهان شتراوس، تحولت فيينا إلى منصة عالمية تحتفي بالسيمفونيات الرائعة والعروض المسرحية الراقية، ما رسّخ مكانتها كمهد للإبداع الموسيقي.

هذه الريادة لم تتوقف عند حدود القرن، بل استمرت فيينا خلال القرن العشرين في ابتكار أصوات جديدة جمعت بين الكلاسيكية والتجريب، مما حافظ على وهجها الفني.

اليوم، تبقى المدينة قبلةً للموسيقيين والفنانين من أنحاء العالم المختلفة؛ إذ تزدهر قاعاتها الفخمة ومسارحها التاريخية بمهرجانات موسيقية سنوية تعكس ثقافة الشعب الفييني، من أبرزها مهرجان “موسيكفيرين”، الذي يستقطب ما يزيد على 45,000 زائر سنوياً، يجتمعون للاستمتاع بعروض أوركسترالية عالمية وتجارب فنية لا تُنسى.

إنّ تاريخ الموسيقى في فيينا نسيج من الإبداع والعاطفة شكّل روح المدينة، وجعل من السياحة في فيينا رحلة ثقافية تنبض بالألحان والابتكار في كل زاوية.

أبرز المعالم السياحية في فيينا

تجمع معالم فيينا السياحية بين الفخامة الملكية، والعمق الثقافي، والجمال المعماري، ما يجعلها وجهة لا تشبه سواها. من أبرز هذه المعالم:

1. قصر شونبرون – الإقامة الملكية

يُعد قصر شونبرون واحداً من أبرز معالم السياحة في فيينا، ووجهة لا يمكن تجاوزها عند استكشاف سحر المدينة. هذا القصر الباروكي الفخم، المُدرج ضمن قائمة مواقع التراث العالمي لليونسكو، كان المقر الصيفي لعائلة هابسبورغ الإمبراطورية، ولا يزال حتى اليوم يعكس روعة تلك الحقبة بكل تفاصيلها المعمارية والفنية.

عند الدخول إليه، يجد الزائر نفسه في عالم آخر من الفخامة، بدءاً من غرف الدولة المزيّنة بأسلوب ملكي، مروراً بالمعرض الكبير الذي يأسر الأنظار، وصولاً إلى الحدائق المصممة بعناية والتي تمتد على مساحات واسعة من الجمال الطبيعي والهندسي.

قصر شونبرون

2. كاتدرائية سانت ستيفن

في قلب فيينا تتربع كاتدرائية القديس ستيفن كتحفة معمارية قوطية لا تضاهى، فنورها الجمالي ينبثق من سقفها المبلط ببلاطٍ ملون ينثُر ألواناً زاهية بين أزقة المدينة، فيما يعلو البرج الجنوبي شامخاً ليمنح الزائر إطلالات بانورامية تخطف الأنفاس على الأفق الفينيسي.

لا تكتمل السياحة في فيينا دون الوقوف أمام هذا الصرح الشامخ، الذي يمزج بين عبق التاريخ وروعة الابتكار الفني، ليصنع تجربة مفعمة بالإعجاب والدهشة لكل من يخطو عتباته.

كاتدرائية سانت ستيفن

3. ساحة رينغ شتراسه وحدائقها الفخمة

ساحة رينغ شتراسه في فيينا هي شارع دائري شهير يحيط بمركز المدينة التاريخي، ويُعد من أبرز معالمها الثقافية والمعمارية. تم إنشاؤه في القرن التاسع عشر بأمر من الإمبراطور فرانز جوزيف الأول ليحل محل أسوار المدينة القديمة.

ويضم مجموعة من المباني الفخمة مثل دار الأوبرا، البرلمان، وقاعة المدينة، إلى جانب حدائق رائعة كبورغ غارتن وفولكسغارتن. يعكس الشارع مزيجاً فريداً من الفن، التاريخ، والطبيعة، مما يجعله وجهة لا تُفوت في فيينا.

ساحة رينغ شتراسه

متاحف فيينا التي لا تُفوّت

تزخر فيينا بمجموعة من المتاحف الفريدة التي تحوّل زيارتها إلى رحلة معرفية وفنية لا تُنسى، وهي من أبرز محطات السياحة في فيينا نذكر:

1. متحف تاريخ الفن

يُعَدُّ متحف تاريخ الفن فيينا وجهة لا غنى عنها لكل عاشقٍ للفن ومرجعاً حتمياً عند الحديث عن السياحة في فيينا، فقد شُيِّد المبنى خصيصاً لاحتضان ثروة هابسبورغ الفنية المذهلة التي امتدت على مرّ قرونٍ من التاريخ.

ستجدون بين جدرانه تحفاً يونانية ورومانية كلاسيكية، وكنوزاً مصرية نادرة، وأروع لوحات النهضة الإيطالية، جنباً إلى جنب مع منحوتات باروكية تنطق بالتفاصيل الراقية، ومجموعةٍ فريدة من أعمال بيتر بروغل الأكبر التي تعكس روح الفن الهولندي الفذ.

لعشّاق الاستمتاع بالرحلة الفنية على أتمّ وجه، يقدم المتحف جولاتٍ يومية بصحبة مرشدين متخصصين يحيكون لكم سرديةً تتنقل بكم بين الأزمنة وتكشف أسرار التحف والروائع بأناةٍ وعمق.

متحف تاريخ الفن

2. متحف ألبرتينا للفن الحديث

إذا كنت تخطط لخوض تجربة ثقافية فريدة خلال السياحة في فيينا، فلا تفوّت زيارة متحف ألبرتينا؛ حيث تلتقي العراقة الفنية مع نبض الإنسانية. هذا المتحف ليس مجرد صرحٍ فنيّ، بل شهادة حية على عبقرية رسامين تركوا بصمتهم في الذاكرة البشرية، إذ يضم بين جنباته أعمالاً خالدة ذات قيمة تاريخية تستحق أن تتوارثها الأجيال.

ستجد نفسك محاطاً بلوحاتٍ ومقتنيات تمتد من القرون الوسطى، ما بين القرن الخامس والخامس عشر، وصولاً إلى الفن المعاصر بكل تجلياته وجرأته.

متحف ألبرتينا للفن الحديث

3. متحف بيت موزارت

يقع منزل موزارت في دومغاس، وقد بُني في القرن السابع عشر وأُعيد تطويره عام 1716، وسكنه موزارت عام 1784 عندما كان يُعرف باسم “منزل كاميزينا”. رغم إزالة مدخله الأصلي لصالح متجر، لا يزال المبنى يحتفظ بخصوصيته التاريخية. افتُتح للزوار عام 1941 في ذكرى وفاة موزارت، ثم خضع لتجديد شامل عام 2006 بمناسبة مرور 250 عاماً على ميلاده، بإشراف متحف فيينا.

اليوم، يُعد هذا المنزل محطّةً أساسيةً في تجربة السياحة في فيينا؛ إذ يعرض حياة الملحّن من خلال معروضات تاريخية ووسائط تفاعلية، ويضم قاعة فعاليات في طابقه السفلي، وقد جذَب ما يزيد على 340 ألف زائر خلال أول ثلاث سنوات من افتتاحه.

متحف بيت موزارت

المسرح والأوبرا: تجربة لا تُنسى

في قلب العاصمة النمساوية؛ حيث يلتقي الفن بالتاريخ، تتحوّل تجربة المسرح والأوبرا إلى حدث استثنائي لا يُشبه سواه.

1. الأوبرا الوطنية النمساوية

عندما نتحدث عن السياحة في فيينا، لا يمكن تجاوز سحر المسرح وعالم الأوبرا الذي يمنح المدينة طابعاً فنياً لا مثيل له. في قلب هذا المشهد، تتألق الأوبرا الوطنية النمساوية كرمز للفخامة والرُّقي؛ إذ يقف مبناها العريق شاهداً على عظمة ما يزيد على قرن من الإبداع المتواصل.

تفاصيلها المعمارية – وحدها – كفيلة بأن تأسر الزائر، لكنّ ما ينتظرك في الداخل أعظم: عروض يومية لأشهر الأعمال الكلاسيكية، تؤدى ببراعة نخبة من أعظم الأصوات وقادة الأوركسترا في العالم. تُعد زيارة هذا المكان تجربةً ثقافيةً متكاملةً تمزج بين الفن والتاريخ، وتختصر جوهر فيينا الحقيقي.

الأوبرا الوطنية النمساوية

2. حفلات الفيلهارمونية والفعاليات الموسمية

تأخذك السياحة في فيينا إلى عالم يتنفس الفن والموسيقى؛ حيث تتحول الليالي الباردة إلى لحظات دافئة تنبض بالحياة داخل قاعاتها التاريخية. في مقدمة هذه التحف المعمارية تأتي قاعة ميوزيكفيرين، التي تُعد أيقونةً موسيقيةً عالميةً وموطناً لحفلات الفيلهارمونية الشهيرة، وعلى رأسها حفل رأس السنة الذي يُبهر الحضور كل عام بأداء رائع لمقطوعات كلاسيكية خالدة، وسط أجواء احتفالية تلامس الأحاسيس.

مع دخول الشتاء، تتألق أوبرا فيينا بعروض موسيقية ومسرحية من الطراز الرفيع؛ حيث يُعاد إحياء روائع الأوبرا والباليه مثل “كسارة البندق” و”بحيرة البجع” بأسلوب يلامس الخيال.

حفلات الفليلهارمونية

الطعام النمساوي الكلاسيكي: ماذا تأكل في فيينا؟

يُعد الطعام النمساوي الكلاسيكي انعكاساً صادقاً لتاريخ البلاد وتنوعها الثقافي؛ إذ يلتقي المطبخ الإمبراطوري بالتقاليد الشعبية في مزيج يرضي كل الأذواق.

1. شوربة غولاش، شنيتسل، وساخرتورت

يشتهر المطبخ النمساوي الكلاسيكي بتنوعه الغني الذي يجمع بين النكهات الدافئة والمذاقات الرفيعة، وتبرز فيه ثلاثة أطباق أيقونية لا يمكن تجاهلها: شوربة غولاش، وشنيتسل، وكعكة ساخرتورت.

شوربة الغولاش، المستوحاة من المطبخ المجري لكن بطابع نمساوي خاص، تُحضّر بقطع لحم طرية مطهية ببطء مع الفلفل الأحمر والتوابل، وتُقدَّم كوجبة مشبعة مثالية لأيام الشتاء الباردة. أما الشنيتسل الفييني، فهي قطعة لحم رقيقة تُغطى بطبقة ذهبية مقرمشة وتقلى حتى الكمال، وتُقدّم غالباً مع شرائح الليمون وسلطة البطاطس التقليدية.

بالنسبة للحلوى، فلا شيء ينافس “ساخر تورتة” الشهيرة، بكعكتها الإسفنجية المحشوة بمربى المشمش والمغطاة بطبقة لامعة من الشوكولاتة الداكنة، والتي تُقدّم عادةً مع الكريمة المخفوقة وفنجان قهوة في مقهى فييني أنيق.

2. مقاهي فيينا التاريخية

عندما نتحدث عن السياحة في فيينا، لا يمكن أن نغفل عن المقاهي التاريخية التي تشكّل جزءاً لا يتجزأ من روح المدينة الثقافية. فهي ليست مجرد أماكن لتناول القهوة أو وجبة خفيفة، بل منصات حيوية للحوار والعمل وتبادل الأفكار؛ حيث يختلط روّادها من الكتّاب والمفكرين والسياسيين تحت سقف واحد.

هذه المقاهي، التي تفتح أبوابها من الصباح الباكر حتى ساعات الليل المتأخرة، تتيح لروّادها استخدام هواتفها الأرضية لتلقي المكالمات أو استقبال الضيوف، مما يجعلها أشبه بمكاتب مفتوحة على الحياة. تزدهر أجواؤها بأكوام من الصحف والمجلات، إضافة إلى كتب كلاسيكية وحديثة ودوريات بلغات متعددة، وكأنّها مكتبة عامة بنكهة القهوة.

مقاهي فيينا التاريخية

أما في المساء، فتحوّل المقاهي نفسها إلى مسارح صغيرة، تستضيف حفلات غنائية، وعروض موسيقى الجاز، وأمسيات شعرية، ولقاءات أدبية لنقاش أحدث الإصدارات، وحتى زوايا مخصصة لمحبي الشطرنج.

متى تزور فيينا؟ المواسم المثالية

السياحة في فيينا لا تخضع لقواعد الزمن؛ فلكل موسم سحره الخاص الذي يمنح المدينة روحاً مختلفة وتجربة لا تُنسى. اختيار الوقت المثالي لزيارة فيينا يعتمد على ما تبحث عنه: دفء الأجواء واحتفالات صاخبة، أم لحظات هادئة تحت أضواء الشتاء؟

فيينا في الشتاء: أسواق الكريسماس

عندما يكسو الثلج شوارع فيينا، تتحوّل المدينة إلى لوحة نابضة من أجواء القصص الخيالية. تبدأ الحكاية في أسواق الكريسماس المنتشرة في الساحات التاريخية؛ حيث تتلألأ الأضواء وتعبق الروائح بالقرفة والسكر المحروق. يمكن للزوار تذوُّق الحلويات التقليدية، وشراء الهدايا المصنوعة يدوياً، أو – ببساطة – الاستمتاع بكوب من الـ “بنش” الساخن وسط أجواء احتفالية دافئة.

فيينا في الربيع والصيف: مهرجانات وطقس رائع

مع ذوبان الجليد، تبدأ فيينا بالكشف عن وجهها المشرق من جديد. في الربيع والصيف، تزدهر الحدائق وتغني الطيور في مشاهد تحبس الأنفاس. تعج المدينة بالمهرجانات الموسيقية، وعروض الهواء الطلق، والفعاليات الثقافية التي تضفي عليها طاقة نابضة بالحياة.

سواء كنت تتجول في “شتاتبارك” بين الزهور، أو تحضر حفلاً في الهواء الطلق أمام دار الأوبرا، فإنّ فيينا – في هذا الموسم – تمنحك مزيجاً رائعاً من الجمال الطبيعي والثراء الفني.

في الختام

فيينا، عاصمة الموسيقى والفن الكلاسيكي، هي الوجهة المثالية لكل من يسعى للغوص في أعماق التاريخ الثقافي والفني. إذا كنت تبحث عن رحلة تجمع بين الفن الراقي واللحظات المدهشة، فزيارة فيينا هي الخيار الأمثل لاستكشاف سحر لا يقاوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى