سياحة و سفر

الموسيقى في العصور الوسطى


مثلاً العصر الحجري تميز عن غيره من العصور بوجود آلات إيقاعية عديدة استُوحَت من الأشياء التي ترتطم ببعضها بعضاً فتُصدِر صوتاً، فعند سماعك لمقطوعةٍ يتخللها كثرة الآلات الإيقاعية لا بُدَّ لك أن تنسبها إلى العصر الحجري، وكذلك الأمر مع أي مقطوعةٍ أخرى تستمع إليها لا بُدَّ أن تنسبها إلى العصر الذي تنتمي إليه، ولا بُدَّ لك أيضاً عند ذكر أحد أعلام الموسيقى أن تتعرف إلى الحقبة التي وُجِدَ فيها. 

سنتحدث في هذا المقال عن الموسيقى وتطورها وأهم أعلامها ودورها في حضارات الشعوب في العصور الوسطى؛ وذلك لاهتمام عازفين ومؤلفين كُثُر بموسيقى هذا العصر.

ظهور الموسيقى في العصور الوسطى:

يُعدُّ سقوط الإمبراطورية الرومانية في بداية القرن الخامس الميلادي بدايةً للعصور الوسطى، وينتهي هذا العصر في وقتٍ ما من القرن الخامس عشر، وتُعدُّ الموسيقى الكلاسيكية هي السائدة في هذا العصر، وولادة النوتة الموسيقية، وقد كانت البداية مع الموسيقى الدينية التي بقيت لفترةٍ طويلةٍ على حالها إلى أن بدأت تتطور مع أوائل القرن الثالث عشر تماشياً مع الفن الجديد، على الرَّغم من العثور على موسيقى شعبية في أنحاء أوروبا.

أنواع الموسيقى في العصور الوسطى:

1. الموسيقى البوليفونية:

ظهر هذا النوع من الموسيقى في القرن التاسع، وله أهميته في الموسيقى الغربية ويجدر الذكر أنَّ “الأورجانوم” هو أول مثال للموسيقى البوليفونية، وتُعدُّ الموسيقى البوليفونية سائدةً في هذا العصر؛ إذ أضاف القساوسة خطاً لحنياً يتماشى مع الغناء، وجُمِعت هذه الخطوط مع التراتيل لتتشكل ألحاناً جديدةً؛ إذ تُعدُّ البوليفونية اندماجاً لغناءٍ بسيطٍ مع لحن مستقل. 

أما عن نمط العزف في هذه الفترة فقد وُجدت أنماطاً مختلفة ومتنوعة تجذب المستمعين إليها؛ إذ اعتمد اللحن على سلالم تُعدُّ غير مألوفةٍ بسبب التنوع الذي دخلها، وإذا أردنا الاستماع إلى موسيقى تجذب الأذن رقيقةً هادئةً تريح النفس وتلهمها فوجب علينا الاستماع إلى موسيقى العصور الوسطى البعيدة كل البعد عن صخب الأوركسترا. 

من الجدير بالذكر أنَّ الكنيسة منعت العروض الموسيقية، مع أنَّها أيقنت بدور الموسيقى في العبادة، فإنَّها دمرت كل ما دوَّنته في ذلك الوقت وأخفته، إيماناً منها بأهمية العبادة لا التدوين الموسيقي، رغم كل ذلك فقد تأثر المسيحيون في اليونانيين القدماء ونقلوا غناء الترانيم إلى الكنيسة عبر صلاتهم وتراتيلهم اليومية.

2. الترتيل الجريجوري:

يُعذُ هذا الترتيل سائداً عبر القرون وهو ترتيل لنصوصٍ دينيةٍ ذات ألحانٍ غير معقدة بمرافقة إيقاعاتٍ؛ إذ نُسخت إيقاعات النص مثلما وُجِبَ قولها، وهذا النوع تؤديه مجموعة؛ فتغني جميع الأصوات اللحن نفسه في الوقت ذاته ودون مرافقة آلات موسيقية هذا ما يُعرف بالترتيل، ويُعدُّ “البابا جريجوري” أول من رتب ووضع كوداً للتراتيل ليسهل استخدامها في الكنائس.

ما هي أشكال الموسيقى في العصور الوسطى؟

لا بُدَّ لنا أن نتكلم عن الألحان في هذا العصر، فقد اعتمدت على سلالم غير معروفةٍ بالنسبة إلى المستمعين في عصرنا هذا، فقد عُزفت النغمة على البيانو حيثما يريد العازف في أعلى الأوكتاف أو أسفله، ليكوِّن نمطاً جذاباً للمستمع وصوتاً غير مألوف، كما توجد أنماط تتكرر أكثر من غيرها، أما بالنسبة إلى الأنماط التي تبدأ بدرجة “دو” ودرجة “لا”، فقد أصبحت فيما بعد هي السلالم الكبرى والصغرى في النظام المقامي للموسيقى.

الموتيت:

هو إضافة صوت أو أكثر إلى الترتيل لتنتج عنه أصوات متعددة غنية ومتنوعة، ففي الغالب يكون الترتيل الأصلي على نمط الوزن المنظم، وغالباً ما يكون لآلةٍ واحدةٍ، أما بالنسبة إلى الخطوط اللحنية فقد وضع لها نصٌ لتُغنَّى، وكان الغرض من كتابة الموتيت دينياً ودنيوياً، والذي كان له سحرٌ مميزٌ في العصور الوسطى ويعود هذا السحر إلى الخليط المنوَّع للعمل الواحد.

ثم ظهرت الأغاني الدينية التي لم ينجُ منها كثير من المغنيين؛ وذلك بسبب كونها شعبيةً ونادراً ما تدوَّن، وغالباً ما تكون مرتجلة عوضاً عن كونها قصيرة، فنحن حتى يومنا هذا غالباً ما ننسى الأغاني الشعبية على الرَّغم من تدوينها.

أدى ضعف الكنيسة إلى ظهور الموسيقى الدنيوية، فقد حُصرت الموسيقى في الكنيسة فقط، ففي هذه الفترة كانت الكنيسة هي الأساس وهي المسيطر الرئيسي، وكانت الموسيقى الدينية هي الوحيدة التي تدوُّن، ومع وجود كميةٍ كبيرةٍ من الموسيقى خارجها، فإنَّها كانت ذات رموزٍ يصعب فكها، وكان قد كتبها مجموعة أُطلق عليها اسم “التروبادور” و”التروفير” هم النبلاء الفرنسيون الذين كتبوا ألحاناً عن الحب وعن الحملات الصليبية وبعض الأغاني الراقصة. 

أما بالنسبة إلى الرقصة في هذا العصر فهي تُعدُّ من أكثر الأشكال الناجية؛ إذ تعتمد على خطٍ لحني وعلى آلة موسيقية لا على التعيين، ولا نستطيع أن ننسى موسيقى الجوَّالة التي تنتمي إلى أدنى السلم الاجتماعي.

النساء ودورهم في موسيقى العصور الوسطى:

لم يسمح القسيس “بول” للنساء بالمشاركة في الصلاة داخل الكنيسة؛ بل كان من المترتب عليهم التزام الصمت داخل الكنيسة؛ لكنَّ النساء داخل الأديرة غنوا الصلوات ومن أشهرهن الراهبة “هيلدغارد”، فقد كانت كاتبةً وملحنةً ورئيسة أديرة “بندكتية” ألَّفت تراتيل عديدة وأغاني دينية كثيرة وألفت عملاً درامياً Ordo Virtutu، وعملت مُدرِّسة لنساء الطبقة النبيلة؛ إذ تعلِّمن العزف والغناء في المنزل بطريقةٍ غير رسمية.

ظهور الفن الجديد:

ظهر قبل بداية القرن الرابع عشر أسلوبٌ جديدٌ للتدوين الموسيقي مختلف تماماً عمَّا كان مألوفاً، كما بدأ المؤلفون بكتابة مقطوعاتٍ بوليفونيةٍ بعيدة عن الترتيل الجريجوري، وكان هذا التغيير ناتجاً عن ضعف سلطة الكنيسة والاهتمام بالموسيقى الدنيوية أكثر من الدينية، وفي القرن الرابع عشر تطوَّر الأسلوب الموسيقي وأصبح أعمق، لكن هذا التطوُّر والتغيير كان تدريجياً وبطيئاً؛ وذلك نتيجةً للجهد المبذول لكتابة هذه الموسيقى الجديدة.

مع ظهور هذا الفن الجديد الذي طُبِّق في الموسيقى الفرنسية تطبيقاً ملحوظاً، كانت بداية القرن الرابع عشر بدايةً للفن الجديد؛ إذ تميزت الموسيقى فيه بأنَّها رومانسية أكثر من ذي قبل، كما كان اهتمام الموسيقيين بالألحان ذات الخطين اللحنيين المتزامنين أكبر، إلا أنَّهم لم يُدخلوا الهارموني في التأليف بعد، وكان أبرز ما ميَّز موسيقى الفن الجديد أنَّها تعتمد على المستمع للاستماع إلى هذه الموسيقى بطريقة لحنية لا تأليفية. 

أما الموسيقى الدينية في هذه الفترة فقد اعتمدت على شكلٍ واحدٍ وهو التلحين على الموسيقى البوليفونية للقداس الكاثوليكي.

الموسيقى في أواخر العصور الوسطى:

ظهرت في فرنسا موسيقى “آرس نوفا” في الفترة الزمنية نفسها التي ظهر فيها كتاب “رومان دو فوفيل”، ويحتوي هذا الكتاب على عديد من القصائد والموتيد وعلى مؤلفات موسيقية عديدة مجهولة المؤلفين، ومقطوعات أخرى من تأليف “فيليب دو فيتري”، وخلال هذه الفترة حققت الموسيقى نجاحاً كبيراً؛ وذلك من خلال تعدد النغمات. 

لا نستطيع أن نضع فاصلاً بين العصور الوسطى وعصر النهضة، وتُعدُّ الأغنية السائدة في تلك الفترة هي الأغنية المكتوبة على شكل شعر لـِ البالاد أو الروندو والفيريلاي، أما في إيطاليا فقد أُطلق على هذا النوع من الأغنية اسم تريسينتو، التي امتازت بأنَّها مخصصة لصوتين يكون تحركهما تحركاً منتظماً أو بطيئاً؛ إذ بقي هذا النمط يميز الموسيقى الإيطالية التي استمرت خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وكان لها الأثر الكبير للتطور الموسيقي الذي حدث في القرن السابع عشر. 

أهم الآلات التي ظهرت في هذا العصر:

تُعدُّ الآلات الوترية هي الأكثر شيوعاً وعدداً في هذا العصر، وأهم هذه الآلات الوترية، آلة الفييل وهي قريبةٌ من الفيول والكمان؛ لكنَّها ظهرت قبلهم، وقد عُزِفَ عليها بالقوس، وقد وُضِعَت الأوتار لمعظم هذه الآلات على الآلة امتداداً من الرقبة إلى الجسر، ومن أهم الآلات الوترية في هذا العصر السنطور والهارب.

أما آلات النفخ الخشبية فقد عرف الريكرودر والفلوت وكذلك الشوم؛ وجميعها وُجِدَت بأحجام عديدة لتضم درجات الصوت المتنوعة، ومن الآلات الشعبية فقد ظهر القرب، وهو آلةٌ نفخيةٌ موجودةٌ إلى يومنا هذا، ولم يكن للآلات النحاسية دور كبير، لكن عُرِفَ الهورن والترومبيت، ويُعدُّ الأورغن ذو الأنابيب من أهم آلات العصور الوسطى، وقد وُجِدَ نوعٌ آخر من الأورغن المحمول غير ذلك الكبير الموجود في الكنائس.

قائمة بأسماء أعلام الموسيقى في العصور الوسطى:

  • هيلدجارد من بنجن.
  • جيدو من آريزو.
  • فرانسيسكوس أندريو.
  • يوهانز سيكونيا.
  • فرانسيسكو لاندني.
  • جيلوم دي ماتشوت.
  • فيليب دي فيتري. 
  • أوزوالد فون ولكينشتاين.
  • مارتينوس فابري. 
  • ماذيوس دي بيروسيو. 

في الختام:

لقد تحدَّثنا عن ظهور الموسيقى في العصور الوسطى وأنواعها وأشكالها، كما تحدَّثنا عن الفن الجديد وظهوره ودوره في تغيُّر نمط الموسيقى، وذكرنا التغيرات التي حصلت للموسيقى في نهاية العصور الوسطى، وتعرفنا إلى أهم أعلام موسيقى هذا العصر وإلى الآلات التي ظهرت فيه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى